حسبك وناهيك. غايات الغايات: أن توقظ حسه لكي يحس. والذي لا ريب فيه، أنه سيحس بغير الذي أحسست. هذا غاية جهد أعلم العلماء وأبلغ الأبيناء، وهو الأمانة التي كتب عليه أن يؤديها بما آتاه الله من علم وبيان، فإذا جاوز هذا إلى أن يحتال عليك ويختلك ويماسحك، ثم يتلصص إلى خلوتك ليضع فيك إحساسه، لكي تبلغا "اتحاد الإحساس" فاعلم أنه لم يزد أن أفسدك وشوهك. فاحذره. إنه يستعبدك! إنه يميت إحساسك! إنه يتركك تقلد الحس وأنت لا تحس، كالببغاء تقلد الكلام وهي لا تتكلم!

هذا إثم يرتكبه كثير من الجماعات ومن أصحاب المذاهب. يزعمون إصلاح الناس، وحقيقة فعلهم تخريب الناس، وإماتة الإحساس الحي، واستعباد الحس الحر المنفرد في كل نفس. إنه تدمير الفطرة في سبيل الجماعة، أو في سبيل المذهب، أو في سبيل الدولة! حذار من فتك هؤلاء الفتاك، إن جاؤوك في ثياب النساك.

* * *

صورة الإنسان واحدة، منذ كان الناس على الأرض. الآلاف بعد الآلاف منذ أقدم الدهر. بنية واحدة بها يعرف الجنس أنه "إنسان"، ولكنهم متباينون، فلا يتشابه إنسانان أبدا. وكذلك الحس أصل واحد في كل إنسان، ولكن يتباين الحس، فلا يتشابه حسان أبدا، ولا يتطابق إحساسان ألبتة.

لا حيلة لأحد حتى يستطيع أن يدمج إنسانا في إنسان ولو رام ذلك أحد لدمرهما جميعا. أما الحس، فبالختل يتطابق، وبالخداع يندمج، ختل هو القسر، وخداع هو الاعتساف. ولا يتم ذلك إلا بتشويه الحس وتدميره. والذي هون على الناس أمر هذا التشويه والتدمير، هو أن من الممكن أن يعيش المرء حياته بحس مدمَّر خَرِبٍ، وإن كان مستحيلا أن يعيش بصورة مدمرة خربة. ومن هوانه على الناس، أن يفعله غير متحرج أكثر الآباء والأمهات، وأكثر المعاهد والمدارس، وأكثر الجماعات والمذاهب والدول. يدمرون حس الإنسان بالختل والخديعة، حين يزعمون إصلاح الناس بتطابق إحساسهم واندماجه. يدمرون الحس لأنه باطن، ولأنه لا قوام له يحول بينهم وبينه، كما يحول قوام صورة الإنسان الظاهرة بينهم وبين ما فعلوه في شقيقها وقرينها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015