السمع والطاعة له ولمن يصطفيهم من شيعته ودعاته. فإذا تم أن تجتمع عليه طائفة من الناس، وظهر بهم أمره، وظنوا أنهم بلغوا بعض ما مناهم لسانه ولسان شيعته ودعاته، قالوا إن الإسلام هو هذا الذي ندعو إليه، وإن طريق الحق طريقنا وحده، وإن الإسلام في غير الإطار الجديد الذي وضعناه فيه ليس من الحق في شيء، وإن هذا الفهم الجديد للإسلام هو خلاص المسلمين من هذه الذلة التي ضربها عليهم الغازي الصليبي. ثم تنشق رَدَغَة هذا الخَبال (?)، عن صنوف مختلفة من الفساد المهلك، تجعل تاريخ الماضي كله ضربًا من الحياة الفاسدة، لا ينبغي لأحد من الناس أن يتلفت إليه إلا تلفت المزدرى المستنكف. وعندئذ يصبح الدين في أذهان الجماهير المتبعة، رسالة جديدة لها رسولها وحواريوها ودعاتها وشهداؤها. وإلى بيان هذه الرسالة تعود الجماهير، لا إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله، نعم، بل إلى تفسير هذا الكتاب وهذه السنة كما يراها لهم طواغيتهم من كهوف التبديل والتحريف والتأويل بالهوى والضلالة. وعندئذ يتم تبديل معنى الإسلام في الناس، ويتم للدجال أن يبتدع بهواه إلى طب في أهوائهم كتابًا غير كتاب الله. ولولا أن الله قد ضمن لنا حفظ نص كتابه، وحفظ نص البيان عنه في سنة رسوله لفعل هذا وأشياعه ما فعل أسلافهم ممن بدلوا كتب الله وحرفوها، ومحوا منها وأثبتوا، ونقصوا فيها وزادوا.
لولا هذا الذي نخافه، بل هذا الذي كان مما نخافه، لما عددت هؤلاء أشد خطرا من الألسنة التي تموه على الجماهير الجاهلة الغافلة باسم الحرية، واسم العلم، واسم الفن، واسم الأخلاق. فطريقهما في الحقيقة واحد، ومنشؤهما واحد، ونتائجهما واحدة، في التغرير بالناس، والعبث بعقولهم، والإفساد لفطرتهم، واللعب بعواطفهم، وإيهامهم أن نجاتهم من عبودية الغزاة أمر قريب لا يكلفهم إلا أن يسمعوا لمن يقول لهم: كونوا أحرارا، فإذا هم سادة أحرار كما ولدتهم أمهاتهم!