لمن أكتب؟

بيني وبينها أيام معتقة كأنها خمر في دِنان الزمن، فإذا ما قدّر الله لنا أن نجتمع يومًا، طارت بلبى نشوة ترمى بي إلى عالم ساكن ناضر ناعم النسمات، فأفارق بها عالمًا صاخبًا محترقًا لافح الرياح عاصف الأعاصير. واجتماعنا هو إحدى الأماني التي يقول في مثلها الشاعر:

أماني من سعدى رِواءٌ، كأنما ... سقتك بها سعدى على ظمأ بردا

وإذا اجتمعنا وتنهدت بيننا الأحاديث، فربما فاجأتني بالسؤال لا أتوقعه، فيردنى سؤالها إلى نفسي ردًّا عنيفًا لا أملك معه إلا أن أديم طرفي إلى هذا الوجه الذي يخفي وراءه نفسًا ثائرة، ولكنها ساكنة على ثورتها سكون الجبال الراسيات. ولست أدري أتلك إحدى لطائف الحيل التي تحب أن توقظنى بها من غفوة الأحلام، أم تلك يقظة دائمة في نفس لا تطيق إلا أن تكون متيقظة حين يدعوها الهوى إلى إغفاءة تريحها من ثورة نفسها واضطرابها؟ وأي ذلك كان، فهي قد أخذتنى أخذًا شديدًا حين استوت في جلستها وقالت: حدثني، لمن تكتب هذا الذي تكتبه؟ إنهم جميعًا نيام يغطون، فلو قذفتهم بالشهب أو الصواعق لناموا على وقعها أو إحراقها.

فلما أفقت على سؤالها، جعلت أردده في نفسي وأنا أملأ عيني من صفاء هذه الينابيع التي تترقرق في وجهها وفي عينيها. وأخيرًا قلت لها: لن أجيبك إلا حيث تقرأين كلامي، ودعينا لما بنا، فإن لقاءنا ساعةٌ فرت إلينا من هذا الفراق السرمدي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015