فنحن أمة واحدة مقسمة اليوم إلى أمم متعددة تواجه في الميدان جبهة واحدة لها أغراض لا تختلف ولا تفترق. وهذه الجبهة الواحدة لم تزل تتعاون بأسلوب بعد أسلوب في تنفيذ أغراضهما في كل بلد من بلادنا، وتتآزران على فرض سلطانهما مجتمعًا أو مفترفًا، وتتوسلان إلى ذلك بالوسائل التي تتاح لكل منهما في كل بلد من هذه البلاد.
فالآن وقد تبين أننا أمة واحدة مقسمة إلى أمم، وأننا نلقى عدوًّا واحدًّا هو بريطانيا وأمريكا مجتمعتين يضربان بسلاحهما غدرًا هنا وهناك وثمة بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية، فقد أصبح لزامًا علينا وفرضًا لا مخلص لنا منه أن ننظر إلى الحقيقة الواحدة التي لا يختلف عليها إلا من نزع الله من قلبه البصيرة الهادية إلى سُبل الرشاد، ألا وهي الاتحاد التام في لقاء هذا العدو.
ومنذ سنوات أجمعت طائفة من أمم العرب على تكوين الجامعة العربية، واشترطوا في الأمة التي تصير عضوًا في هذه الجامعة أن تكون مستقلة. ومعنى ذلك هو الاستقلال المعترف به دوليًّا، لا الاستقلال الحقيقي، فإنهم لو طلبوا ذلك لما كان في الجامعة العربية عضو واحد من هذه الأمم التي ذكرنا. فالجامعة العربية كما هي الآن لا تفي البتة بحاجة العرب، ولا تقوم على الأساس الصحيح الذي ينبغي أن تقوم عليه. نعم إن الجامعة العربية لم تقصر في الدفاع عن حق العرب جميعًا تقصيرًا تُلام عليه، وهي تبذل غاية جهدها في صد عدوان المعتدين عليها، وتبذل أقصى جهدها في أم المشاكل العربية، وهي مشكلة فلسطين التي سوف تكون يومًا ما، أول شرارة تنطلق في تاريخ العرب الحديث لتنير لنا الطريق السوى الذي ينبغي للعرب أن يسلكوه.
ولكن لابد منذ الآن أن تعمل الجامعة العربية على ضم سائر البلاد العربية الأرض واللسان، لتكون شعوب هذه البلاد كلها جبهة واحدة، ذات سياسة واحدة، وأهداف واحدة، وقيادة واحدة، حتى نلقى في الميدان ذلك العدو الواحد المتآزر على هلكة العرب، وهو بريطانيا وأمريكا. وإنه لا معنى لأن تبقى فلسطين وتونس ومراكش والجزائر وبرقة وطرابلس غير ممثلة في جامعة الدول