أن ننفي من احتجاجنا كل شيء يسمى نفقات أنفقت في السودان، فإن كل ذلك هو حق السودان الذي إذا قصَّرْنا في أدائه وجب عليه أن يطالبنا به بالكلام أو بالسيف أو بكليهما. ومن المؤلم أن يكون هذا الأسلوب الذي جَرَى ولا يزال يجري على ألسنة بعض الساسة، هو خديعة بريطانية قديمة لم نزل ننزلق في مداحضها ونزل، حتى كادت تكون نكبة عقلية ألمَّتْ بهؤلاء الساسة.

فلابد إذن من وضع هذه الحجج حيث ينبغي أن توضع في زوايا الإهمال، وأن ينظر الساسة إلى الحق الطبيعي الذي يجب لمصر على السودان، والذي يجبُ للسودان على مصر، وأنا أقدِّم فأقول إن حق السودان على مصر هو الأصل، وهو الحق الأعظم، وهو الحق الذي لا يمكن مصر مهما بلغت من قوة ومجد وحضارة أن تتنصَّل منه أو تتبرأ، فإذا فعلت، فذاك هلاكها وضياعها في هذا العصر وإلى الأبد البعيد.

إن السودان كما كان قديمًا، وكما هو الآن، هو حياة الأرض التي تسمى باسم "مصر"، فزراعتها وتجارتها ومالها وأهلها وتاريخها وحضارتها، كل ذلك فضل أتى به النيل. والنيل فيما بعد أسواره إلى منابعه واقع في الأرض التي تسمى السودان، فإذا أبى السودان أن يُفْضِلَ على مصر بالقدر الكافي من ماء النيل، فقد حدثت المجاعات، وهلكت الزراعة وبارت التجارة وذهب المال واندثرت الحضارات وانطمس التاريخ، ولم يبق في الدنيا دولة تسمى نفسها الدولة المصرية، بل مكان في الصحراء يقال له مصر ليس إلا، مُجَردًا من كل ما تكون به دولة أو أمة. فالحقيقة التي ينبغي أن لا نتمارى فيها بالعصبية أو الكبرياء هو أن السودان هو سيد هذا الوادي الذي يمده النيل بمائه، وإذن فالسودان هو أحق الشقيقين باسم الدولة، فإما أن يسمى وادي النيل كله باسم الدولة المصرية برضى أهل السودان، أو أن يسمى هذا الوادي باسم الدولة السودانية برضى أهل مصر. فهذا هو الوضع الصحيح للمسألة المصرية السودانية.

ومن البيّن الذي لا خفاء فيه أن السودان كَنزٌ كله، بمائه ومعادنه وغاباته وحيوانه وكل شيء فيه، والذي في مصر من ذلك لا يعدل واحدًا من ألف من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015