فماذا كانت العقبى؟ بقينا إلى زمن نرى فيه الشيوخ الذين أكلَ الدهر جِدَّتهم، وأبلى هممهم، وأفنى حوافزهم، وقطع دابر الحماسة من نفوسهم، هم الذين يتولون تصريف الأمر في غدِنا تصريفَ العاجز، ويدبرون سياستنا للمستقبل تدبير الذاهل، ويسيرون بهذا الشرق كله إلى رَدَغةٍ (?) موحلة يرتطم في أوحالها الشيب والشبان جميعًا. وإلا فأين الشباب المبشر بالخير المهدي إلى طريق الرشاد، ليكون لشيوخنا إذا عجزوا عَضُدًا، وإذا قصَّروا باعًا، وإذا سقطوا خلفًا؟

إني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثير، ولكن لا أرى أحدَا

ومعاذ الله أن أكون ممن يُخْلي هذه الأمم من رجال شبان يدخل في أطواقهم أن يغيروا وجه هذا الغد الذي نستقبله، ومعاذ الله أن يلمّ بي اليأس ويتداخلني القنوط، فإني لأرى فيهم رجالا لو هم صرفوا عامًا أو عامين في التأهب لصراع الغد، أي لصراع الحياة، أي لإنقاذ بلادنا من خَوَر الشيخوخة، وجبن الهرم، وعجز السنِّ، وضعف الكِبَر الطاحن، ومن غرور هذه جميعًا بسالف تجربتها واحتناكها، لأدركنا البغية التي يظن شيوخنا أنها محال، وأنها طَفْرة، وأنها جرأة وتقحُّم، وارتماء في مهاوي الهلاك.

أو ليس من أكبر العار في هذا الزمن أن يكون الشرق الذي بلغ بفتيانه قديمًا ما بلغ، هو اليوم مبتلى بفتيانه أشد البلاء؟ أليس من الخزي أن يعرف أحدنا كيف تعاون شبابنا قديمًا وكهولنا وشيوخنا على فتح الدنيا، فإذا خَلَفهم يتعاونون جميعًا شيوخًا وشبانًا وكهولا على ترك بلادهم وأرضهم لقمة سائغة لكل طامع، ولحمًا ممزقًا بين يدي كل جزَّار وإن هان؟

إن علينا نحن الشباب أن نوقر شيوخنا ونجلَّهم ونستفيد من تجاربهم، وعلينا أن ننازلهم ونصارعهم، ونأخذ من أيديهم المرتعشة ما يستقرُّ في راحاتنا الثابتة التي لا تخافُ ولا تتهيب. علينا أن نأخذ حقنا أخْذ الكريم المقتدر، من أقران نصارعهم ليموتوا موت الكريم البذَّال. وعلى هذا الصراع بين جيلينا يتوقف أمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015