هذا الشعب المسكين وخرج معه رجال من غمار هذا الخلق، فاستبشر الأستاذ شاكر، فقد صح ما توقَّع وتحقق ما به تنبأ. فكان من أشد المؤيدين لهؤلاء الرجال خلال الشهور الأولى من ثورة 23 يوليو 1952، وكان له دور فعال -لا يعلمه إلا قليل- في مسألة الإصلاح الزراعى، فكما ذكرت قَبْلُ أن الأستاذ رشا مهنا -الَّذي عُيِّن وصيًّا على العرش- كان من أصدقاء الأستاذ شاكر ومِن روَّاد ندوته. وقد أسرَّ للأستاذ شاكر أن جماعة الإخوان المسلمين يقفون ضد إصدار قانون الإصلاح الزراعي ويمارسون شتى أنواع الضغوط لإيقافه، ولكن الأستاذ شاكر استطاع أن يقنع الأستاذ رشا مهنا ببطلان حجج الإخوان المسلمين الذين تبنَّوا هذه الدعوى، وأبان له تاريخ محمد علي وأسرته من بعده في الاستيلاء على أراضي المصريين دون وجه حق، ودون سبب شرعي أو مبرر تاريخي. وبذلك اكتسب أنصار الإصلاح الزراعي مؤيدًا قويًا، فقد نافح عنه الأستاذ رشاد مهنا مسلَّحًا بما زوَّده به الأستاذ شاكر -وهو من هو في تاريخ السياسة المصرية- بالحجج الدامغة والبراهين التاريخية الناصعة.

ولكن سرعان ما تبيَّن للأستاذ شاكر وغيره من الشعراء والمفكرين الأحرار أن النظام الملكي الفاسد الَّذي ولَّى أفسح مكانًا لآخر طاغٍ مستبدٍّ. فكتب بعد ما يَقْرُب من خمسة أشهر من قيام ثورة 1952 مقالًا -استجابة لدعوة الأستاذ أحمد حسن الزيات- في مجلة الرسالة (5 يناير 1953) بعنوان "فيم أكتب". والمقال يُشْعِر أن الأستاذ شاكر يتحدث عن العالم العربي عامة وما نزل به من بلاء المحتل قرابة قرن أو يزيد، ولكن القارئ اليقظ لن يفوته هجوم الأستاذ شاكر على النظام السياسي الجديد، وأنا ناقِلٌ منه هنا فقرات لترى مصداق ما أقول: "ومنذ ذلك اليوم والأحداث في الشرق العربي الإسلامى آخِذٌ بعضها برقاب بعض. وحركت الأحداثُ المتتابعة نَواعسَ الآمال، فهبَّت تمسح عن عيونها النوم المتقادم. ثم حملقت في أكداس الظلام المركوم. فأوهمتها اليقظة أن الظلام من حولها يُومض من بعيد ببصيص من نور، فتنادت الصيحات بانقشاع الظُّلَم: وافرحتاه! وصرختُ وأنا في محبسي: واحسرتاه، أَعْمَى رأى الظلامَ نهارا! "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015