مكملة لمعنى الفعل، ولم تأت لتعدية الفعل إلى مفعول، كالذي يكون في قولك "ذهب الرجل" و"ذهب الرجل بمحمدٍ".

فإذا كان الفعل دالًا بالتضمن على الصدم، والصدم يقتضي الإلصاق، وجاءت الباء مكملة لمعنى "عثر" تجرُّ وراءَها الفاعل الحقيقي للصدم، فالباء إذًا ستزيد في معنى الفعل، وذلك بأن تُظْهِر الصدم -المقتضى للإلصاق- بعد أن كان مكتومًا في الفعل، ويُقوي ذلك أيضًا ظهور الفاعل الحقيقي للعثرة بعد أن كان مكتومًا في "عثر".

فقول الأستاذ (مندور) إنه أراد بقوله "عثرت بالشيء" أنه لاقاه اتفاقًا غير ممكن، لأن الباء وافقت الفعل فزادت في الإبانة عما يضمره من دلالة "الصدم" الحقيقي ولم يكن فيها من المخالفة ما يحمل هذا الفعل على الميل إلى المجاز (أي إلى الصدم المجازي). وليس من شك في أن قوله "لاقاه اتفاقًا" مجازٌ في تأويل "عثر بالشيء"، فإذا كانت الباء إنما تزيد حقيقة الفعل قوة وبيانًا، فكيف إذن تصيرُ بعد ذلك مجازًا بغير عامل يحملها إلى المجاز؟

وقد يستخدم مع هذا الفعل حرف آخر هو "في"، فتقول "عثر الرجل في ثوبه" إذا كان واسع الثوب طويل الذيل، فهو يطأ بعض ذيله كلما مشى، فتشد الوطأة الثوب عليه، فيميل كأنه يتهيأ للسقوط فيتماسك.

فهذا الحرف "في" يدل في أصل معناه على الظرفية الزمانية أو المكانية، وينسحب بها على سائر معانيه. وهو بذلك يدل على استقرار لا على حركة كالحركة التي تكون في الإلصاق. ولما كان الفعل يدل دلالة ظاهرة على حركة السقوط وجاء الحرف "في" يطالب الحركة بالاستقرار، أسرع الفعل إليه. وذلك أنه حين يقول لك "عثر الرجل" لم تكد تجاوز تصوُّر حركة السقوط حتى يفجؤك بقوله "في ثوبه"، فيطالبك بإقرار هذه الحركة ثم تصورها في جوف الثوب. وهذه السرعة التي يتطلبها الانتقال تضعف دلالات الفعل التي كان يدل عليها مستقلًا بذاته أي في قولك "عثر الرجل" مجردا، وهي كما ذكرناها آنفًا: فاعل حركة السقوط، وفعله وهو الصدم، وحالة التنبه والتماسك قبل السقوط، وعدم التوقُّع أو الاتفاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015