أقول لنفسي: أيها الصديق البائس! لماذا لا تعرف طريقك إلى النسيان؟ لماذا تقف في مقبرة أفكارك دائمًا فترتاع وتتألم؟ لماذا لا تحاول أن تسخر من الحياة التي سخرت منك؟ لماذا أنت حائر أيها الصديق؟ وبقيت أتداول الهاجس من أفكاري فيه، حتى شُغِلتُ به عنه. ثم جاءني صوته من بعيد كأنه كان يتكلم في بعض أحلامي تحت النوم:

اسمع. . . اسمع يا صديقي! لقد كنت أفكر في بعض ما شغلني عن تمام حديثي قبلُ، لقد سألتَني وساءلت نفسك أهكذا يضمحل الرجل؟ أما إني لا أستطيع أن أضعَ لك اللغة وضعًا جديدًا حتى أعبر لك عن كل خالجة من خوالج النفس الإنسانية حين تضطرب فتهتز فتطير هزاتها على مساقها ومجراها، ثم تنشعب فتنتشر فتعمَل عَمَل الجيش المحارب في هدم صفوف العدو وتفريقها وبَعْثَرة قواها المحتشدةِ للِّقاء احتشادَ البنيان المرصوص بعضه على بعض.

نعم. . . لن أستطيع ذلك، ولكني سأصف لك بعض الصفة وأستشعر أنت كيف يعمل ذلك في هدم الرجل ويسرع في تدمير رجولته أمام أنوثة طاغية تتحدى وتأخذ سلاحها الذي تتحدى به من رجولة عواطف المحب الذي يَرى أن تعاونَ القلبين بالحب، وصبابة النفس إلى النفس الأخرى، هو تمام رجولته وتمام أنوثتها. كان لقاؤهما تجديدًا غريبًا في قديم نفسه. . . لقد استطاعت هذه الساحرة الجميلة الفتانة -كما وصفت لك- أن تمحو ماضيه كله، وأن تمزق صُحفَ أيامه المهملة التي كان القَدَر يكتب فيها تاريخه الأول. مزقت هذه الساحرة تلك الصحف، وألقت بها في النار التي أشعلتها في قلبه بالحب. بدأ يحيا بها وبسحرها حياة رائعة فاتنة من أحلام الحب. وجعلت هي. . . وجعلت هي. . . آه يا صديقي! هذا كثير كثير. إن ذكرى ذلك كله تؤلمني. . . إنها تعذبني. . . إنها تخِز قلبي بمثل السنان الحديد يقع وخزًا متتابعًا شديدًا يتفجر في نزعه بالدم .. كيف أستطيع أن أقول لك الآن ما الذي كانت هي تفعل! وماذا أقول لك؟ آه. . . إن أنوثتها، بل رقتها، بل حنانها، بل رحمتها، بل إخلاصها، بل حبها .. كيف يكون هذا؟ بل ذلك الصوت المنغم الروى الممتلئ صوت الحنين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015