الأزهر

الأزهر -كما يجب أن نعرفه- إن هو إلا تاريخ مصريٌّ عربي إسلامي كاملٌ متتابعٌ قد امتدَّ على مَدْرَجةِ التاريخ ألف سنة يجدِّد فيه ويتجدَّد به، ويعيشُ عيشه هذا في التاريخ كالمدد المتلاحِق الذي يستفيضُ بمادَّته لينشيء القوةَ في رُوح الجيش المرابط وأعصابه وأفكاره وأعماله المجيدة. وهذا التاريخ العجيب الذي لا يزال حيًّا في هذه الأرض، هو كالتاريخ الإسلامي والعربي كله مجهولٌ متروك لم تَنفُضْ عنه الحياةُ العربية الجديدةُ غُبار السنين المتقادمة والأجيال المتطاولة التي تعاقبت عليه بالنسيان والإهمال والهجر. وإذا نظرنا إلى الأزهر على مقتضى هذه النظرة وبسبب من هذا الرأي -علمنا أنه كهذا التاريخ الإسلاميّ قد تعاورته القوَّة والضعف، وحزَّت فيه سِيما العلم ومِيسم الجهل، وتغلغل فيه النبوغ الفذُّ السامي والنبوغ الشاذُّ النازلُ: النُّبُوغُ السامي الذي ارتفع بروحانية الشعوب الإسلامية وأخرجها من سُلطان الشهواتِ والجهالات، فمدَّتْ بذلك سلطانها على جزء عظيم من العالم، والنُّبُوغُ النازل الذي هَوَى بروحانيةِ هذه الشعوب إلى الجَدَل والفُرقة والمذاهب والآراء الخاضعة لسلطان الشهوات العقلية المريضة، فقلَّصتْ ظِلَّ هذا السلطان عن هذا الجزء العظيم من العالم.

والأزهرُ -كان- مجْتَمَع القُوى المختلفة التي عملتْ في إنشاءِ الحضارة الإسلاميَّة والعربيَّة التي عاشَتْ في التاريخ الماضي وملأته بالألوان المختلفة من مميزات هذه الشعوب الإسلامية المتباينة، والمتباعدة في مطارح الأرض ما بين الصين إلى المغرب الأقْصى، واستمرَّ على ذلك مئات من السنين تتلوها مئات، وكذلك مهدت هذه السنين للشعب العربي المصري في هذا العصر -عصر النهضة الجديدة في الشرق- أن يكونَ هو قِبْلَة الأمم العربية والإسلامية. وذلك لأن روح الشعب المصري، وثقافته الموروثة في تفكيره وأخلاقه وطباعه، وحضارته القديمة التي تبرَّجتْ على ضفاف النيل -هذه كلُّها ليست إلا خلاصة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015