أو الإسلامي الذي عاشت عليه الأمة المصرية هذه الأجيال ولم تجد به بأسًا -كما يقول- عاد فاستدرك عليه بقوله: "بشرط أن يتابع تطور المدنية الحديثة". فأنا والدكتور طه وكل عربي قد درب بالحضارة وجرَّبها يعرف أن البناء الاجتماعي هو أصل المدنية، وأن الاجتماع إذا صلح استطاعت كل القوى أن تعمل في بناء الحضارة بعقائدها وآرائها وإيمانها وفلسفتها، فإذا أردنا أن نجعل النظام الاجتماعي الإسلامي في العمل والتشريع والسياسة هو النظام فمن الخطأ الذاهب في الفساد أن نخضعه لتطور مدنية أخرى قد بُنى اجتماعها على المسيحية في التشريع والسياسة والأخلاق. فمصر والشرق الإسلامي إذا أراد أن ينهض فلابد له -كما قال الدكتور طه- أن يستمد نهضته من أصول الاجتماع الذي يربطه به التاريخ والدم والوطن واللسان والدين والوراثة، وإذا ساير فإنما يساير في فكرة مطلقة وهي "النهضة والحضارة والمدنية الإنسانية" على الطريق الذي يوافق طبيعة هذا الاجتماع. أما المدنية الحديثة فقد بنيت على غير ذلك وقد تطورت على أصوله، وليس بعد خطبة الملك جورج ملك الإنجليز ما يدع موضعًا للشك، فقد خطب الملك يوم 25 ديسمبر سنة 1939 في الاحتفال بعيد ميلاد المسيح -صلوات الله عليه- فذكر الاتحاد الإنجليزي الفرنسي للحرب ضد ألمانيا النازية فكان مما جاء في خطته (ترجمة الأهرام): "إني أومن من أعماق قلبي بأن القضية التي تربط شعوبي معًا، وتربطنا بحلفائنا المخلصين الأمجاد هي (قضية المدنية المسيحية). وليس ثمة قاعدة أخرى يمكن أن تبنى عليها مدنية صحيحة".
ونحن ننظر إلى المدنية الأوربية هذا النظر، وكلام الملك جورج هو من أدق التصوير لحقيقة الحضارة الأوربية في نظر كل باحث نصراني أو يهودي أو مسلم. فإذا أردنا أن نتابع تطوّر هذا الضرب من المدنية بتبديل اجتماعنا -الذي دعا إليه الدكتور طه في حديثه- ليطابقه، فكأنما ندعو إلى "تنصير الإسلام". وما أظن الدكتور طه يرضى أن نصير هذا المصير!
والعجيب بعد ذلك أن يذكر الدكتور طه العنصر الثالث وهو الحضارة