فأقول لك: وإذن فقد شققت عليَّ كل المشقة، ورميت بي في أشد الحرج، حين سألتني عما سميته "دور طه حسين" في حياة هذه الأمة المنساحة في أبعاد الزمان والمكان كما وصفتها لك.
وإذا كان جواب هذا السؤال عسيرا محرجا لي كما ترى، فهل تراه حسنا أن أدفع عن نفسي المشقة والحرج، وأفزع بالهرب منهما إلى ما هو أيسر وأروح، فأتعلق بما انتهى إليه أمر طه حسين من الشهرة في هذا العالم الرحب، فأقول لك كما قال من يحمل العلم: إن ضخامة أثر طه حسين في حياة العالم، خليق أن يجعلنا نسمى الزمن الَّذي عاشه طه حسين بيننا "عصر طه حسين"؟ ليس هذا هزلا محضا! بل هو شر من الهزل المحض؟
ومع ذلك كله فأنا أستعفيك من ركوب هذا المركب الصعب، ولكني لن أخذلك وسأحاول أن أستبقى هذه الصورة الغريبة المذهلة في مكانها، غير مقتطعة من رقعتها المتراحبة، فأبين لك لم توهجت هذه الصورة؟ وكيف كان توهجها في حيزها الصغير جدا؟ ثم أحدثك عن أثر هذا التوهج على الرقعة التي هي جزء منه، ولكني في الحقيقة لا أدري من أين أبدأ، ولكن لا مفر من بدء.
في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) انتفض هذا العالم الرحب الَّذي حدثتك عنه وهو العالم العربي والعالم الإسلامي، وبدأت أول انتفاضة في مصر في مارس 1919، وتتابعت الانتفاضات على درجات مختلفة في جميع بلاد العرب والإسلام، وحدثت الدرجة العظمى، بالحرب التركية في سنة 1922، على عهد مصطفى كمال، ثم زلزل هذا العالم كله، حين ألغى الخلافة الإسلامية في سنة 1924، وبإلغائها صار هذا العالم الَّذي كانت فيه الخلافة تجمعه أو تشده إليها بحبال واهية .. ولكنها حبال على كل حال! صار خلائق مشتتة في يم متلاطم، تمد أيديها إلى شيء تتعلق به طلبا للنجاة وخوفا من الغرق، وكانت مصر خاصة والبلاد العربية عامة، ملتقى أنظار العالم الإسلامي في طلب النجاة والخوف من الغرق، مع أنهم جميعا غرقى في هذا اليم المتلاطم.
وفي هذا الذهول الغامر، ما بين سنة 1919 إلى 1924 نزع العالم العربي