فليس للمؤمن الذي يؤمن بالغيب مندوحة عن تصديق ما أخبر الله به ورسوله، وإن عجز عقله عن إدراك حقيقة ما آمن به وَكَّل علمه إلى عالمه، كالشأن في المتشابه من القرآن، يقول الله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [آل عمران: 7]. فمن حاول تأويل آيات الله التي أيد بها أنبياءه، فما زاد عن أنه يكذب بها وهو يظن أنه يستر تكذيبه.
أيها السادة:
إن الذين زعموا أن الإسراء والمعراج كانا بالروح أو منامًا من المتقدمين، إنما زعموا ذلك استدلالًا بأخبار رأوها في ذلك، وقد بينت لكم أنها أخبار ضعيفة وأن الاستناد إليها خطأ، وأما الذين يزعمون ذلك من المعاصرين، فإنما يدعون أن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم تكن له معجزة غير القرآن، وينكرون كل الأخبار المتواترة في المعجزات، ويظنون أن الإسراء والمعراج ينافيان ما اصطلحا على تسميته في هذا العصر (بالعلم)؛ لأن العلوم المادية لم تثبت قدرة الإنسان على نقل الأجسام بمثل هذه الصورة التي حكيت في حديث الإسراء والمعراج، وما أنا بمتعرض الآن لما يثبته العلم وما ينفيه، ولكني أسألهم: هل يؤمنون بما حكى الله في القرآن من قصة سليمان