ببدعة يزينونها ويزعمون أنّ بها نجاح العرب والمسلمين؛ بدعة التبرج والسفور، وبدعة العامية، وبدعة اللادينية، والانبهار الأعمى بكل ما هو غربي، وكم ذا شغلت هذه البدع - وأمثالُها كثير - هذا الشرقَ المستبَدَّ به عن مطامحه العليا، وأضاعت من مجهوداتٍ جليلةٍ هي ذَوْب القلوب الملتاعة، وحرارة الإيمان الصادق؟ (?)
وهذا الرجل الفذّ نَسِيج وحْدِه فقد كانت جهوده في نشر التراث بَعْثًا جديدًا لذخائر الأمة وإحياءً لثمرات عقولها، ويلحظ المُتَتبَّع لجهوده أن له يدًا باسطة في غير عِلْمٍ من عُلومِ الثقافةِ العربيةِ الإسلاميةِ من فقهٍ وأصولٍ وتفسيرٍ وحديثٍ وعربيةٍ (?).
ويوم أن مضى أحمد شاكر لِطَيَّتِه توجّع أخوه محمود شاكر لفقده، وقد كان شريكه ودليله في تحقيق تفسير الطبري، فكتب كلمة عالية تفيضُ صدقًا وإحساسًا: "وبعد، فقد أبليت شبابي وصدرًا من كُهُولتِي، وأخي يومئذٍ رُكنٌ من العلم باذخٌ، آوي إليه إذ حزبني أمرٌ، أو ضاقَ عليَّ مسلك. فأصبحت فإذا الركنُ قد سَاخَ، وإذا أنا قد أُفْرِدْتُ إفرادَ الساري في فَلاة بغير دليلٍ. كان نُورًا يضيءُ الطريق، فلما طَفِئَ، أصبحتُ في ظلماءَ يَنهاني سوادُها أن أسير.
وكنتُ أعمل في هذا التفسير وحدي بعيدًا عنه، هكذا كان. لم يكن يشاركني في قراءة نَصَّه، ولا في كشف مُبْهمِه، ولا في تقويم ما اعوَجَّ من نَهْجِه، ولا في تخِريج ما تولَّيتُه من رواية حديثه. وَقَضيتُ دهرًا وأنا أظنُّ أنَّ الأمر كُلَّه ثَمرةُ جُهْدي وعملي! ! فلمَّا قبضَ الله عبدَه الصالحَ - رحمة الله عليه - وبقيتُ أيضًا أعمل وَحدي بعيدًا عنه