عبد القادر أفندي القباني أن يقيم في بيروت، ويتولى رئاسة التحرير لجريدته (ثمرات الفنون). قال السيد رحمهُ الله: "فقلتُ لهُ: إن الحرية التي في بيروت لا تسعني. قال: أو تريد أن تنقد جلالة السلطان عبد الحميد أو تخوض في سياسته؟ قلت: إنما أريد إصلاح الأخلاق والاجتماع والتربية والتعليم. قال: إن لك أوسع الحرية في هذا. قلت: إذا أردت أن أكتب في فضيلة الصدق ومضارّ الكذب ومفاسده فأبيّن أن أكبر أسباب فشوّ الكذب في الأمم الحكم الاستبدادي، أتنشر لي ذلك جريدتكم؟ ! قال: لا، لا، عجّل بالذهاب إلى مصر ولا تخبر أحدًا! (?) ".

ويجدر بنا في هذا الموضع أن نصحح خطأ مشهورًا، يظنه أكثر الناس صوابًا، وذلك: أنهم يزعمون أن السيد رشيد - رحمهُ الله - جاء إلى مصر لإتمام الدراسة العلمية ولذلك تتلمذ للشيخ محمد عبده، والحقيقة أنهُ - رحمهُ الله - لم يغادر بلاده إلَّا بعد إتمام دراسته، وبعد نيل الشهادة العالمية والأذن له من شيوخه بالتدريس، وكان قد جاوز الثلاثين من عمره، وإنما اتصل بالأستاذ الشيخ محمد عبده كما يتصل العالم الصغير بالعالم الكبير، وبقي تلميذًا لهُ - على هذا المعنى - إلى حين وفاته، كما كان يفعل سلفنا الصالح - رضي الله عنهم - ولو بقي الأستاذ الشيخ محمد عبده حيًّا إلى الآن لبقي السيد رشيد تلميذه إلى الآن، ولوَفَّى لهُ في حياته كما وَفَّى لهُ بعد مماته رضي الله عنهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015