هذا عليك - حتى لا تتأولَ كلامي فتوجَّهَه إلى غير ما أقصد - ولعلي كنتُ من أوائل الدعاة في مصر إلى هذا الصراط المستقيم، وما أظنك تنكر على ذلك، وقد فَخَرْتَ بذلك في مقالك، ونفيتَ عن نفسك تهمة التقليد لابن تيمية أو ابن القيّم أو غيرهما. فانظرْ ماذا فعلتَ؟
نقلتَ عن أحد الكتب، ولستُ أُسَمِّيه لك الآن، أن البيهقي روى في مناقب الشافعي: "عن الربيع بن سليمان، أنه سمع الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجنّ رَدَدْنا شهادتَه، إلا أن يكون نبيًّا".
أفأستطيع أن أفهم من كلامك - بما أخذتَ به نفسَك من مذهب الاجتهاد - أنك لا تقلّد الإمامَ الشافعي في هذا القول، وأنْ قد أدَّاك اجتهادُك إلى مثل قوله، فالتزمتَه قولًا لك، تذهب إليه وترتضيه، وأنك جئت بكلمة الشافعي استئناسًا، لا استدلالًا؟ ! وهذا بديهيٌّ من معنى قولك، ومن سياق حكايتك، لا تستطيع منه تَفصِّيًا، ولا عنه نُكُوصًا.
أفتدري إلامَ ينتهي بك هذا القول وهذا الرأي؟ إنك باختيارك إيّاه قولًا، وبارتضائك. إيَّاه مذهبًا - تحكمُ حكمًا لا رجوعَ لك عنه، ولا مناصَ منه: أن شيخ الإسلام ابن تيمية ممن لا تُقبل شهادتُه عندَك؛ لأنه ادَّعى رؤية الجن والكلامَ معهم، بصريح قوله الذي تتحدث عنه.
وأعيذُ شيخَ الإسلام بالله منك ومن اجتهادك، ومن ادّعائك نصرتَه والذّيادَ عنه، بل هو أرفعُ عندنا قدرًا، وأعلى علمًا، وأصدق قولًا، من أن نأخذه بمثل هذه الكلمة التي نقلت عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، والذي قاله شيخ الإسلام وحكاه عن نفسه وعن غيره