حاجة عياله، وقولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة: "أما إنه قد كَذَبك، وسيعودُ" ... فعل ذلك ثلاث مراتٍ، ثم قال له الجنّي: "دَعْني أُعَلِّمْكَ كلماتٍ ينفعك الله بها"، ثم علَّمه أن يقرأ آية الكرسي، وأنه لن يزالَ عليه من الله حافظٌ ولا يقربه شيطانٌ، حتى يُصْبِح. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة: "أمَا إنه صَدَقَك، وهو كَذُوبٌ. تَعْلَمُ من تخاطبُ مُذْ ثلاثِ ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاك شيطان". وهذا حديث صحيح صريح، لا يحتمل تأويلًا، إلا تأويلَ أهل الأهواء، ممَّن لا يأخذون بالسنة الصحيحة، أو بعبارة صريحةٍ مطابقة لحالهم: "من الذين لا يؤمنون بالغَيْب". وأعيذُك بالله أن تَميل إليهم، أو تأخذ مأْخَذَهم.
وقد أثبت الحافظُ في ذلك الموضع كثيرًا من الأحاديث في هذا المعنى، ثم عَرَض للاحتجاج بالآية التي تأَوَّلْتَها على غير وجهها - فيما كتبتَ - فذَكَر أن قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}. "مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها". وهو تفسير لا بأس به عندي، وأجودُ منه أن يكونَ قولُه تعالى: {مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}. خاصًّا بحالةٍ أو ناحية لا نراهم منها، بدلالة كلمة "من حيثُ"، وأنّ هذا لا ينفي رؤيتهم من نواحي أُخَر.
وأقوى من هذا دلالةً - فيما أرى -: أن الجنّ لم يكونوا، ولن يكونوا أرقى من الملائكة ولا أعظم خلقًا منهم، ورؤية الناس للملائكة ثابتةٌ ثبوت القطع الذي لا شك فيه، حين يتشكَّلون على