ذهب أكثرها حتى لم نجد تفسيرًا لرجل من الأئمة المجتهدين إلَّا تفسير أبي جعفر الطبري المتوفَّى سنة 310، وما بقي بعده فهو لمؤلفين ممن سموا أنفسهم مقلدين.
ولقد كان المتقدمون يعنون في أكثر أمرهم بتفسير القرآن بما ورد من أحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة، وباستنباط أحكام الفقه منه، تعليمًا للناس كيف يفهمون وكيف يصلون إلى الاجتهاد.
ثم ترك المتأخرون ذلك ولم يكن همهم إلا الإطالة في أبحاث لفظية لا جدوى لها، ولا فائدة إلا في النادر والشذوذ.
حتى إن كتب التفسير التي بقيت مشتهرة فيهم وكثيرة بين أيديهم لا يطمئن الباحث المحقق إلى فهم معنى آية منها، ولا إلى استنباط حكم، بل ولا إلى الثقة بالنقل، فقد ملأ بعضهم تفسيره بقصص مكذوبة مفتراة، وبأحاديث موضوعة، من غير تحرٍّ في الرواية، ولا استعمال لموهبة العقل السليم.
وبالله، لقد أدْركنا الأزهرَ - وهو المدرسة الإسلامية الفذة في هذا البلد - يجعل التفسير علمًا لا يُؤْبَه له، وآية ذلك أنهم كانوا يجيزون الطالب بشهادة "العالِمية" وإن كان لا يفقه في التفسير شيئًا، وما عرف كيف ينبغ في المماحكات اللفظية.
ولقد قيض الله للإسلام إمامًا من أئمته، وعلمًا من أعلام الهدى، وهو الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده - رحمه الله - فأرشد الأمة الإسلامية إلى الاستمساك بهدي كتابها، ودلها على الطريق