كلامه على الأحاديث كثير من الحفاظ الثقات، كابن حجر العسقلاني في الفتح والتلخيص، وابن عبد الهادي فى التنقيح، والحافظ الزيلعي في "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" وتقي الدين بن دقيق العيد في كتابه "الإمام" وابن التركماني في "الجوهر النقي" ويتعصب ابن الجوزي لمذهبه إلا أن تعصبه أقل من تعصب غيره من المؤلفين. وقد رأيت له أشياء لا تحتمل ولم يكن الظن بمثله أن تصدر عنه، كصنيعه في الكلام على "محمد بن إسحاق صاحب المغازي": فإنه إذا ورد فى إسناد حديث يدل لمخالفيه استمسك أشد الاستمساك بكلمة مالكٍ في تكذيبه، وإن كان في إسناد حديث ينصر به مذهبه فإما دافع عنه وإما سكت، ومما يؤخذ عليه وقد عابه على غيره - أنه يحتج فى بعض المسائل لمذهبه بأحاديث ضعيفة ولا يبين ضعفها، وقد يذكر وجه ضعفها ثم يدافع عنها دفاعًا يردّ مثلَه ولا يرضاه فى موقف آخر، وهذا كله من النتائج السيئة لتغلغل التقليد في النفوس، وتلك عيوب لا يكاد يخلو منها مؤلف - ولعل ابن الجوزي من أقلهم اتصافا بها - ولا يزال معها الكتاب كتابًا جليلًا نفيسًا لم يترك - فيما يغلب على الظن - مسألة من مسائل الخلاف الدقيقة المهمة.

ولما عزمنا - بحول الله وقوته - على الشروع في طبعه بدأتُ في التعليق عليه وتداركِ ما فاته أداءً لأمانة العلم؛ فجمعتُ بين يديّ كل ما طبع من كتب السنة وتراجم رجالها، وأكثر كتب الفقه والأصول واللغة وغير ذلك، وبذلتُ جهدي في تصحيحه والتوثق من كل كلمة فيه بالرجوع إليها في أصولها - إلا ما ندر - وذكرت مذاهب كثير من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015