الحروف ... أقول: لم أكد أجد ذلك حتى انطفأ فيَّ ذلك الزهو المنتفخ، وعرفتُ أني وألوفًا من أمثالي مهما جهدنا لا نبلغ أن نكون من أصغر تلاميذ مؤرخينا من أهل الحديث: لقد وقفوا أنفسهم على خدمة العلم فأخلصوا له الخدمة، فآتاهم الله في ذلك المعجزات".

"وأمر آخر تمتاز به هذه الرسالة: وهو أن كثيرًا من مؤرخي الحركة العلمية والأدبية في عصرنا هذا الحديث، إذا بلغوا الكلام على المحدّثين والمؤرخين العرب، تابعوا المستشرقين فقرروا: "أن العرب عُنوا عناية بالغة بالنقد الخارجي (نقد السند) فبذّوا بذلك غيرهم من الأمم، إلا أنهم وقفوا عاجزين دون النقد الداخلي: (نقد المتن). ونقلوا هذه الشبهة التي لا تستند إلى أدنى اطلاع: لاحق عن سابق، نقلًا أعمى دون تحقيق أو بذل عناء. ففي هذه الرسالة التي ننشرها، يورد الذهبي روايات وأخبارًا يشبعها نقدًا: تعديلًا وتجريحًا، ويضع عيوننا على شواهد محسوسة في النقد الداخلي: نقد المتن، فنوقن حينئذ أننا لم يكفنا جهلنا و (سطحيتنا) وحتى (ببغاويتنا) وإصدارنا الأحكام دون إعداد العدة اللازمة لها من درس جادّ، وصدر واسع، ودؤوب طويل، وعلم غزير ... لم تكفنا هذه (القَعَدية) بل نستطيل بجهلنا، أو بعلمنا الناقص المترجَم - وهو شر من الجهل - على من بلغوا في إحكام أعمالهم حدّ الإعجاز" ....

"الحق أن (الترجمة التاريخية) فنّ العرب الخالص، برعوا فيه براعة خالدة، وأن الذهبي أحد نوابغهم العظام في هذا الفن".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015