تصحيح الكتب (*)

تصحيح الكتب وتحقيقها من أشق الأعمال وأكبرها تبعة، ولقد صور أبو عمرو الجاحظ ذلك أقوى تصوير، في كتاب (الحيوان) فقال (ج 1 ص 79 من طبعة أولاد السيد مصطفى الحلبي بمصر):

"ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفًا أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النقض؛ حتى يرده إلى موضعه من أمثلة الكلام، فكيف يطيق ذلك المعارض المستأجر، والحكيم نفسه قد أعجزه هذا الباب! وأعجب من ذلك أنه يأخذ بأمرين: قد أصلح الفاسد وزاد الصالح صلاحًا، ثم يصير هذا الكتاب بعد ذلك نسخة لإنسان آخر، فيسير فيه الوراق الثاني سيرة الوراق الأول، ولا يزال الكتاب تتداوله الأيدي الجانية، والأعراض المفسدة، حتى يصير غلطًا صرفًا وكذبًا مصمتًا، فما ظنكم بكتاب تتعاقبه المترجمون بالإفساد، وتتعاوره الخُطاط بشرّ من ذلك أو بمثله، كتاب متقادم الميلاد، دهري الصنعة".

وقال الأخفش: "إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميًّا".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015