ولن يكون الجود إذا كان معصية كرما، وكيف يتكرّم من يتوسل بأياديك إلى معصيتك، وبنعمك إلى سخطك، فليس الكرم إلا الطاعة، وليس اللؤم إلا المعصية، وليس بجود ما جاوز الحق، وليس بكرم ما خالف الشكر، ولئن كان مجاوز الحقّ كريما ليكوننّ المقصّر دونه كريما (?)، فإن قضيتم بقول العامّة (?) فالعامة ليست بقدوة.
وكيف يكون قدوة من لا ينظر، ولا يحصّل، ولا يفكّر ولا يمثّل (?)، وإن قضيتم بأقاويل الشعراء وما كان عليه أهل الجاهلية الجهلاء، فما فبّحوه مما لا يشكّ فى حسنه أكثر من أن نقف عليه أو نتشاغل باستقصائه.
على أنه ليس بجود إلا ما أوجب الشكر، كما أنه ليس يبخل إلا ما أوجب اللؤم، ولن تكون العطية نعمة على المعطى حتى تراود بها (?) نفس ذلك المعطى، ولن يجب عليه الشكر إلا مع شريطة القصد، وكلّ من كان جوده يرجع إليه- لولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى فى سواك، لما قصد إليك- فإنما (?) جعلك معبرا لدرك حاجته، ومركبا لبلوغ محبته، ولولا بعض القول (?) لوجب لك عليه حق يجب به الشكر، فليس يجب لمن كان كذلك شكر، وإن انتفعت بذلك منه، إذ كان لنفسه عمل، لأنه لو تهيأ له ذلك النفع فى غيرك لما تخطّاه إليك.
وإنما يوصف بالجود فى الحقيقة، ويشكر على النفع فى حجّة العقل، الذى إن جاد عليك، فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشىء من المنافع