والباطل، فإن القليل من الصدق البرىء من الكذب، أفضل من كثير الصدق المشوب بالباطل، ولقد وصفت من مناقبك، ومحاسن أمورك، وإنى لأخاف الفتنة عليك حين تسمع بتزكية نفسك، وذكرى ما ذكرت من فضلك، لأن المدح مفسدة للقلب، مبعثة للعجب، ثم رجوت لك المنعة والعصمة، لأنى لم أذكر إلا حقّا، والحقّ ينفى عن اللبيب العجب، وخيلاء الكبر، ويحمله على الاقتصاد والتواضع، وقد رأيت- إذ كنت فى الفضل والوفاء على ما وصفت منك- أن آخذ بنصيبى من ودّك، وأصل وثيقة حبلى بحبلك، فيجرى بيننا من الإخاء أواصر (?) الأسباب التى بها يستحكم الودّ، ويدوم العهد، وعلمت أن تركى ذلك غبن، وإضاعتى إياه جهل، لأن التارك للحظّ داخل فى الغبن، والعائد عن الرشد موجف (?) إلى الغىّ، فارغب من ودّى فيما رغبت فيه من ودّك، فإنى لم أدع شينا أستتلى به منك الرغبة، وأجترّ به منك المودة، إلا وقد اقتدت إليك ذريعته، وأعملت نحوك مطيّته، لترى حرصى على مودتك، ورغبتى فى مؤاخاتك، والسلام».
(اختيار المنظوم والمنثور 13: 401)
فكتب إليه يحيى بن زياد:
«أما بعد، فإنا لمّا رأينا موضع الإخاء ممن يحتمله فى تأنيسه من الوحشة، وتقريبه لذى البعدة (?)، ومشاركته بين ذوى الأرحام فى القربة، لم نرض بمعرفة عينه دون معرفة نسبته، فنسبنا الإخاء فوجدناه فى نسبته لا يستحقّ اسم الإخاء إلا بالوفاء، فلما انتقلنا عنه إلى الوفاء فنسبناه، انتسب لنا إلى الصبر، فوجدناه محتويا