54- خطبة المهدي "توفي سنة 169هـ":
الحمد لله ارتضى الحمد لنفسه، ورضي به من خلقه، أحمده على آلائه1، وأمجده لبلائه2، وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه توكل راض بقضائه، وصابر لبلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده المصطفى، ونبيه المجتبى3، ورسوله إلى خلقه وأمينه على وحيه، أرسله بعد انقطاع الرجاء، وطموس4 العلم، واقتراب من الساعة، إلى أمة جاهلية، مختلفة أمية، أهل عداوة وتضاغن، وفرقة وتباين، قد استهوتهم شياطينهم، وغلب عليهم قرناؤهم5، فاستشعروا الردى، وسلكوا العمى، يبشر من أطاعه بالجنة وكريم ثوابها، ويندر من عصاه بالنار وأليم عقابها، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإن الاقتصار عليها سلامة، والترك لها ندامة، وأحثكم على إجلال عظمته، وتوقير كبريائه وقدرته، والانتهاء إلى ما يقرب من رحمته وينجِّي من سخطه، وينال به ما لديه، من كريم الثواب، وجزيل المآب، فاجتنبوا ما خوفكم الله من شديد العقاب، وأليم العذاب، ووعيد الحساب، يوم توقفون بين يدي الجبار، وتعرضون فيه على النار: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ