من الناس ويناظره، ويفهم عنه أو يخاف سطوته، أولى بالرفق بصاحبه ومداراته وتقويم أوده، من سائس البهيمة التي لا تحير1 جوابًا، ولا تعرف صوابًا، ولا تفهم خطابًا، إلا بقدر ما يصيرها إليه صاحبها الراكب عليها؛ ألا فأمعنوا رحمكم الله في النظر، وأعملوا فيه ما أمكنكم من الروية والفكر، تأمنوا بإذن الله ممن صحبتموه النبوة، والاستثقال والجفوة، ويصير2 منكم إلى الموافقة، وتصيروا منه إلى المؤاخاة والشفقة، إن شاء الله تعالى.

ولا يجاوزن الرجل منكم -في هيئة مجلسه، وملبسه، ومركبه، ومطعمه، ومشربه، وبنائه3 وخدمه وغير ذلك من فنون أمره– قدر حقه؛ فإنكم -مع ما فضلكم الله به من شرف صنعتكم- خدمة لا تحملون في خدمتكم على التقصير، وحفظة لا تحتمل منكم أفعال التضييع والتبذير، واستعينوا على عفافكم بالقصد في كل ما ذكرته لكم، وقصصته عليكم، واحذروا متالف السرف، وسوء عاقبة الترف؛ فإنهما يعقبان الفقر، ويذلان الرقاب، ويفضحان أهلهما، ولا سيما الكتاب، وأرباب الآداب، وللأمور أشباه، وبعضها دليل على بعض؛ فاستدلوا على مؤتنف4 أعمالكم بما سبقت إليه تجربتكم، ثم اسلكوا من مسالك التدبير أوضحها محجة، وأصدقها حجة وأحمدها عاقبة.

واعلموا أن للتدبير آفة متلفة، وهي الوصف الشاغل لصاحبه عن إنفاذ عمله ورؤيته؛ فليقصد الرجل منكم في مجلسه قصد الكافي من منطقه، وليوجز في ابتدائه وجوابه، وليأخذ بمجامع حججه؛ فإن ذلك مصلحة لفعله، ومدفعة للتشاغل عن إكثاره،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015