ثم قال: أي بني، لا تزهدن في معروف، فإن الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب، على الشاهد والغائب، فكم من راغب أصبح مطلوبا ما لديه، واعلم أن الزمان ذو ألوان، ومن يصحب الزمان ير الهوان، وكن أي بني كما قال أبو الأسود الدؤلي:
وعد من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك، إذا ما جاء للعرف طالب1
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده ... يكن هينا ثقلا على من يصاحب
فلا تمنعن ذا حاجة جاء طالبا ... فإنك لا تدري متى أنت راغب
رأيت التِوا هذا الزمان بأهله ... وبينهم فيه تكون النوائب2
ثم قال: أي بني، كن جوادا بالمال في موضع الحق، بخيلا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر، وإن أحمد بخل الحرّ الضنّ3 بمكتوم السر، وكن كما قال قيس بن الخطيم الأنصاري:
أجود بمكنون التلاد وإنني ... بسرك عمن سالني لضنين4
إذا جاوز الاثنين سر فإنه ... بنث، وتكثير الحديث قمين5
وعندي له يوما إذا ما ائتمنتني ... مكان بسوداء الفؤاد مكين6
ثم قال: أي بني، وإن غلبت يوما على المال، فلا تدع الحيلة على حال، فإن الكريم يحتال، والدني عيال7، وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالا، أقل