والنجاء النجاء، علام تعرجون؟ أُتِيتُم ورب الكعبة! قد أُسرِعَ بخياركم: وأنتم كل يوم ترذلون1، فماذا تنتظرون؟ إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا عليه الصلاة والسلام على علم منه، اختاره لنفسه، وبعثه برسالته، وأنزل عليه كتابه، وكان صفوته من خلقه، ورسوله إلى عباده ثم وضعه من الدنيا موضعا ينظر إليه أهل الأرض2، وآتاه منها قوتا وبلغة، ثم قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

فرغب أقوام عن عيشه، وسخطوا ما رضي له ربه، فأبعدهم الله وأسحقهم3.

يابن آدم: طإ الأرض بقدمك، فإنها عن قليل قبرك، واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، رحم الله رجلا نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، وأبصر فصبر، فقد أبصر أقوام ولم يصبروا، فذهب الجزع بقلوبهم، ولم يدركوا ما طلبوا، ولم يرجعوا إلى ما فارقوا.

يابن آدم: اذكر قوله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} .

عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك، خذوا صفا الدنيا، وذروا كدرها، فليس الصفو ما عاد كدرا، ولا الكدر ما عاد صفوا، دعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، ظهر الجفاء وقلت العلماء، وعفت5 السنة، وشاعت البدعة، لقد صحبت أقواما ما كانت صحبتهم إلا قرة العين، وجلاء الصدور، ولقد رأيت أقواما كانوا -من حسناتهم أن ترد عليهم- أشفق6 منكم -من سيئاتكم أن تعذبوا عليها، وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم الله عليكم منها، ما لي أسمع حسيسًا، ولا أرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015