نَفْيَهُ بِصِفَةِ الدَّوَامِ وَالْأَغْلَبِيَّةِ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ إِثْبَاتَهُ بِطَرِيقِ النُّدْرَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنِ الْمُثْبِتَ يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبَغَ الثَّوْبَ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. (وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ مَادَّةُ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُرْبُهُ مِنْهُ سِنًّا. (خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ) : بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ نُونٍ، وَبِالْمَدِّ، مَعْرُوفٌ. (وَالْكَتَمُ) : بِفَتْحَتَيْنِ وَالتَّاءُ مُخَفَّفَةٌ، كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَتَمُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالْمَشْهُورُ التَّخْفِيفُ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ: هُوَ وَرَقٌ يُشْبِهُ وَرَقَ الْآسِ، يُصْبَغُ بِهِ. وَفِي الْمُهَذَّبِ: هُوَ الْوَسْمَةُ. وَفِي الصِّحَاحِ: الْكَتَمُ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ لِلْخِضَابِ، وَالْمَكْتُومَةُ دُهْنٌ لِلْعَرَبِ أَحْمَرُ، وَيُجْعَلُ فِيهِ الزَّعْفَرَانُ أَوِ الْكَتَمُ. وَفِي الْفَائِقِ: هُوَ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ لِلْخِضَابِ الْأَسْوَدِ. وَفِي النِّهَايَةِ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَبَغَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا عَنِ الْآخَرِ فَإِنَّ الْخِضَابَ

بِهِمَا يَجْعَلُ الشَّعْرَ أَسْوَدَ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنِ السَّوَادِ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْحِنَّاءِ أَوِ الْكَتَمِ بِأَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِالْوَاوِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ تَارَةً وَبِالْكَتَمِ أُخْرَى، عَلَى أَنَّ الْوَاوَ قَدْ تَجِيءُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِمْ: الْكَلِمَةُ اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ، وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ: وَصِلْ وَاسْتَكِنْ. وَقَدْ قَالَ شَارِحُو كَلَامِهِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاوِ التَّخْيِيرُ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْكَتَمُ الصِّرْفُ يُوجِبُ سَوَادًا مَائِلًا إِلَى الْحُمْرَةِ، وَالْحِنَّاءُ تُوجِبُ الْحُمْرَةَ فَاسْتِعْمَالُهُمَا يُوجِبُ مَا بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ، انْتَهَى. فَالْوَاوُ عَلَى أَصْلِهِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُغْرِبِ، وَعَنِ الْأَزْهَرِيِّ: أَنَّ الْكَتَمَ نَبْتٌ فِيهِ حُمْرَةٌ، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَلِحْيَتُهُ كَأَنَّهَا ضِرَامُ عَرْفَجٍ» ، انْتَهَى. وَالضِّرَامُ دِقَاقُ الْحَطَبِ الَّذِي يُسْرِعُ اشْتِعَالُ النَّارِ فِيهِ، وَالْعَرْفَجُ نَبْتٌ فِي السَّهْلِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: وَقَدْ جُرِّبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ جَمِيعًا فَلَمْ يُسَوِّدْ بَلْ يُغَيِّرُ صُفْرَةَ الْحِنَّاءِ وَحُمْرَتِهِ إِلَى الْخُضْرَةِ وَنَحْوِهَا فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ السَّوَادَ، وَكَذَا رَأَيْنَاهُ وَشَاهَدْنَاهُ، هَذَا وَقَدْ قَالَ مِيرَكُ: الْحَدِيثُ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ وَوَافَقَهُ ابْنُ سِيرِينَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْهُ بِذِكْرِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ، وَلَفْظُهُ: قُلْتُ لَهُ: أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْضِبُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِلَفْظِ: «وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ خَضَبَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ» ، وَأَظُنُّ أَنَّ ذِكْرَ عُمَرَ فِيهِ وَهْمٌ ; لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: «وَقَدِ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا» ، أَيْ صِرْفًا. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا دَائِمًا، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ إِذِ الدَّوَامُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْسَبُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْخِضَابُ مَنْفِيًّا وَالشَّيْبُ مُثْبَتًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَاسَبَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ ذَلِكَ الْبَابِ إِنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ الْخِضَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) : أَيِ السَّكُونِيُّ مَوْلَاهُمْ، صَدُوقٌ، تُكُلِّمَ فِيهِ لِلتَّشَيُّعِ، رَوَى عَنْهُ السِّتَّةُ. (وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى) : أَيِ الْبَلْخِيُّ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. (قَالَا) : أَيْ كِلَاهُمَا. (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) : أَيِ ابْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ، مَوْلَاهُمْ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، كَبِيرٌ، مُصَنِّفٌ شَهِيرٌ، عَمِيَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فَتَغَيَّرَ، وَكَانَ شَيْخًا لِأَجِلَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، رَوَى السِّتَّةُ حَدِيثَهُ، قَالَ الْعِصَامُ: وَكَانَ يَتَشَيَّعُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (عَنْ مَعْمَرٍ) : مَرَّ ذِكْرُهُ. (عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ) : بِفَتْحِ الْجُزْأَيْنِ لِلتَّرْكِيبِ، وَالشِّينُ سَاكِنَةٌ وَبَنُو تَمِيمٍ يَكْسِرُونَهَا، وَقَوْلُهُ: (شَعْرَةً بَيْضَاءَ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015