الْفَرَقُ» ، وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِتَسْكِينِ الرَّاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِهِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَقِيلَ صَاعَانِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بِلَفْظِ: «قَدْرُهُ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ» ، وَالْقِسْطُ بِكَسْرِ الْقَافِ نِصْفُ صَاعٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَعَكْسِهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ طَهَارَةِ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ دُونَ الْعَكْسِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْمَنْعَ فِيمَا إِذَا خَلَّيَا بِهِ، وَالْجَوَازُ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَا وَتَمَسَّكَ كُلٌّ بِظَاهِرِ خَبَرٍ دَلَّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْجَمِيعِ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَالْجَوَازِ عَلَى مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ بِذَلِكَ، جَمَعَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْجَوَازَ فِيمَا إِذَا اغْتَرَفَا مَعًا وَالْمَنْعُ فِيمَا اغْتَرَفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ. وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْفِعْلَ عَلَى الْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ. (وَكَانَ لَهُ) : أَيْ لِرَأْسِهِ الشَّرِيفِ. (شَعْرٌ) : أَيْ نَازِلٌ. (فَوْقَ الْجُمَّةِ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ. (وَدُونَ الْوَفْرَةِ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهُ رَاءٌ مَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ كَذَا فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالنِّهَايَةِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَعْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَمْرًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجُمَّةِ وَالْوَفْرَةَ لَيْسَ بِجُمَّةٍ وَلَا وَفْرَةٍ، لَكِنْ سَبَقَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهُ كَانَ شَعْرُهُ جُمَّةً وَعَلَى أَنَّ جُمَّتَهُ مَعَ عِظَمِهَا إِلَى أُذُنَيْهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا وَقَدْ رَوَى الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي جَامِعِهِ أَيْضًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَتْ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ. كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ فِي الشَّمَائِلِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَوْقَ الْوَفْرَةِ دُونَ الْجُمَّةِ، قِيلَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ «فَوْقَ وَدُونَ» تَارَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَحَلِّ وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِقْدَارِ فَقَوْلُهُ: «فَوْقَ الْجُمَّةِ» أَيْ: أَرْفَعُ مِنْهَا فِي الْمَحَلِّ، «وَدُونَ الْجُمَّةِ» أَيْ: أَقَلُّ مِنْهَا فِي الْمِقْدَارِ، وَكَذَا فِي الْعَكْسِ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ لَوْلَا أَنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثِ مُتَّحِدٌّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ مُلَّا حَنَفِي: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَآلَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُتَّحِدٌ مَعْنًى وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ
وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ اتِّحَادُ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوْ مَنْ دُونَهَا أَدَّتْ أَوْ أَدَّى مَعْنًى وَاحِدًا بِعِبَارَتَيْنِ، وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ، هَذَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدِيثِ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ كَمَا مَرَّ فِي «أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ» حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ «الْفَلَجَ» اسْتُعْمِلَ مَكَانَ «الْفَرَقِ» وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَعَلَّ اغْتِسَالَ عَائِشَةَ وَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَقَعَ مُتَعَدِّدًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ نَاشِئًا مِنَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ «وَكَانَ» ، إِلَخْ، حَالٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَعْطُوفًا عَلَى «كُنْتُ» فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالِاغْتِسَالِ، فَيَكُونَانِ حَدِيثَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ غُسْلٍ اخْتِلَافُ حَالٍ وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي شَرْحِ شَمَائِلِهِ بِلَفْظِ «وَأَنْزَلُ مِنَ الْوَفْرَةِ» ، وَقَالَ: أَيْ مِنْ مَحَلِّهَا وَهُوَ شَحْمَةُ الْأُذُنِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بِمَعْنَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ فِي نُسَخٍ هُنَا «فَوْقَ الْجُمَّةِ وَدُونَ الْوَفْرَةِ» ، وَهَذِهِ عَكْسُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: «أَنْزَلُ» غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا أَحَدَ مِنَ الشُّرَّاحِ أَيْضًا ذَكَرَهُ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) : بِفَتْحِ مِيمٍ فَكَسْرِ نُونٍ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، أَبُو جَعْفَرٍ الْأَصَمُّ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، رَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ