الْوُضُوءِ لَا فِي التَّجْدِيدِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قِيلَ فِي فَضَلَاتِهِ، وَأَغْرَبَ الْحَنَفِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَلِلْمَانِعِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ طَهَارَتِهِ كَانَ مِنْ بَعْدِهِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ صَرِيحٍ وَتَارِيخٍ صَحِيحٍ. (وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ) : أَيْ أَدَبًا أَوْ قَصْدًا وَطَلَبًا.

(فَنَظَرْتُ) : لِانْكِشَافِ مَحَلِّهِ أَوْ لِكَشْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ لِيَرَاهُ لِعِلْمِهِ بِهِ مُكَاشَفَةً. (إِلَى الْخَاتَمِ) : ضُبِطَ هُنَا بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الطَّابَعِ أَصْرَحُ. (بَيْنَ كَتِفَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «إِلَى خَاتَمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» ، وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْخَاتَمِ أَوْ ظَرْفٌ لِنَظَرْتُ أَوْ صِلَةٌ لِلْخَاتَمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ لِلتِّرْمِذِيِّ: «الْخَاتَمِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ» ، وَالرِّوَايَةُ فِيهِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَثَرُ شَقِّ الْمَلَكَيْنِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَاعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ مَا قَالَهُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ شَقَّهُمَا إِنَّمَا كَانَ فِي صَدْرِهِ وَأَثَرُهُ إِنَّمَا كَانَ خَطًّا وَاضِحًا مِنْ صَدْرِهِ إِلَى مِرَاقِ بَطْنِهِ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: فَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمَخِيطِ فِي صَدْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَلَمْ يَثْبُتْ قَطُّ أَنَّهُ بَلَغَ بِالشَّقِّ حَتَّى نَفَذَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيلًا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُحَاذِي الصَّدْرَ مِنْ مَسْرُبَتِهِ إِلَى مِرَاقِ بَطْنِهِ، قَالَ: وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْ هَذَا الْإِمَامِ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ بَعْضِ نُسَّاخِ كِتَابِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْتُ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ بِأَنَّ سَبَبَ التَّغْلِيظِ فَهْمُ أَنَّ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّقِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ بِأَثَرِ الْخَتْمِ لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمَّا شَقَّا صَدْرَهُ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: خِطْهُ، فَخَاطَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ حَمَلَ الْقَاضِي جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الشَّقَّ لَمَّا وَقَعَ فِي صَدْرِهِ ثُمَّ خِيطَ حَتَّى الْتَأَمَ كَمَا كَانَ، وَوَقَعَ الْخَتْمُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَانَ كَذَلِكَ أَثَرُ الشَّقِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ - فِي الدَّلَائِلِ - أَنَّ: «الْمَلَكَ لَمَّا أَخْرَجَ قَلْبَهُ وَغَسْلَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ خَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ فَامْتَلَأَ نُورًا» ، وَذَلِكَ النُّبُوَّةُ وَالْحِكْمَةُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ عِنْدَ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ ; لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَالْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ - فِي الدَّلَائِلِ أَنَّ: «جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَمَّا نَزَلَا لَهُ مِنْ عِنْدِ الْبَعْثَةِ هَبَطَ جِبْرِيلُ فَأَلْقَانِي عَلَى الْقَفَا، ثُمَّ شَقَّ عَنْ قَلْبِي فَاسْتَخْرَجَهُ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أَلْقَانِي وَخَتَمَ عَلَى ظَهْرِي حَتَّى وَجَدْتُ مَسَّ الْخَاتَمِ فِي قَلْبِي» . قَالَ: وَهَذَا مُسْتَنَدُ الْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَتَقْتَضِي هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْخَاتَمَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ وِلَادَتِهِ فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وُلِدَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ نَقَلَهُ أَبُو الْفَتْحِ، وَقِيلَ: وُضِعَ حِينَ وُضِعَ نَقَلَهُ مُغْلَطَايْ، وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ، وَفِيهِ: «جَعَلَ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيَّ كَمَا هُوَ الْآنَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَوَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَقَدَمَيْهِ» ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخَتْمَ وُضِعَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ جَسَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015