قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ لَقِيَهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّهُ لَقِيَهُمْ بِالسَّمَاوَاتِ، وَطُرُقُ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ، فَقِيلَ اجْتِمَاعُهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ الْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ السِّيَرِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَتَى مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ هُوَ وَمَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَلَقِيَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَّهُمْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِمْ فِي السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَانِيًا وَهُوَ فِيهِ فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَقِيَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ حَالِهِمْ وَعَنِ اسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَهُمْ، فَلَوْ رَآهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ يَبْعُدُ سُؤَالُهُ عَنْ حَالِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَصَلَاتُهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ لَا يَرُدُّهُ الْعَقْلُ وَيَثْبُتُ بِالنَّقْلِ، وَلَا دَاعِيَ لِصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حَيَاتِهِمْ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ
الْأَنْبِيَاءَ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ، فَإِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ يُصَلُّونَ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ ثُمَّ يَكُونُونَ مُصَلِّينَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ الرَّافِعِيُّ مَرْفُوعًا: " أَنَا أَكْرَمُ عَلَى رَبِّي مِنْ أَنْ يَتْرُكَنِي فِي قَبْرِي بَعْدَ ثَلَاثٍ " فَلَا أَصْلَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ مُلَّا الْحَنَفِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ التَّشَابُهَاتِ بَيَانُ حَالِ الْمُشَبَّهِ - أَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ وَجِبْرِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فَإِنَّ مُوسَى شُبِّهَ صِفَةً وَالْبَاقِي صُورَةً. وَمَا قَالَهُ الْفَاضِلُ الطِّيبِيُّ مِنْ أَنَّ التَّشْبِيهَ الْأَوَّلَ لِمُجَرَّدِ الْبَيَانِ وَالْأَخِيرَانِ لِلْبَيَانِ مَعَ تَعْظِيمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ هُنَا بِتَعْظِيمِ بَعْضٍ وَمَدْحِهِ دُونَ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَهُوَ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَإِنَّ الطِّيبِيَّ لَمْ يَقُلْ بِالْغَرَضِ الْفَاسِدِ وَإِنَّمَا قَالَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْكَلَامِ، فَتَدَبَّرْ يَظْهَرْ لَكَ الْمَرَامُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِ هَذِهِ الرُّسُلِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ جَدُّ الْعَرَبِ وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَمُوسَى وَعِيسَى رَسُولَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمْ وَقَعَ تَدَلِّيًا ثُمَّ تَرَقِّيًا.
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) : تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا. (الْمَعْنَى وَاحِدٌ) : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لَا حَالَ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُهُ ضَعِيفًا لِعَدَمِ الْوَاوِ. (قَالَا: أَخْبَرَنَا) : وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «حَدَّثَنَا» . (يَزِيدُ) : مُضَارِعُ الزِّيَادَةِ. (بْنُ هَارُونَ) : أَيِ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ، مُتْقِنٌ عَابِدٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، سَمِعَ كَثِيرِينَ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَبَعِهِمْ، قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ فِي مَجْلِسِهِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يُقَالُ أَنَّ فِي الْمَجْلِسِ سَبْعِينَ أَلْفًا. (عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، نِسْبَةً إِلَى أَحَدِ آبَائِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مُحَدِّثُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَغَيَّرَ حِفْظُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ) : بِالتَّصْغِيرِ، اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللِّيثِيُّ، أَدْرَكَ مِنْ زَمَنِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ سِنِينَ وَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ إِلَى سَنَةِ مِائَةٍ وَثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ صَحَابِيٌّ غَيْرُهُ، وَزَعْمُ أَنَّ مُعَمَّرًا الْمَغْرِبِيَّ وَرَتَنَ الْهِنْدِيَّ صَحَابِيَّانِ عَاشَا إِلَى قَرِيبِ الْقَرْنِ السَّابِعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ خِلَافًا لِمَنِ انْتَصَرَ لَهُ وَأَطَالَ بِمَا لَا يُجْدِي، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ الْعِصَامُ: وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَفَاتُهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةٍ عَلَى وَفْقِ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِ وَقِيلَ مُرَادُهُ أَصْحَابُهُ. (يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا بَقِيَ) : عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ
«رَأَيْتُ» ، وَجَعْلُهُ حَالًا غَيْرُ جَيِّدٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ أَطْنَبَ الْحَنَفِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ. (عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ) : احْتَرَزَ بِهِ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ; فَإِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ، قِيلَ: وَعَنِ الْخَضِرِ ; فَإِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فِي الْبَحْرِ. (أَحَدٌ) : أَيْ مِنَ الْبَشَرِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ فَلَا يَشْكُلُ بِالْمَلَكِ وَالْجِنِّ أَوِ الْمُرَادُ مِنْ أَصْحَابِهِ. (رَآهُ غَيْرِي) : صِفَةٌ لِأَحَدٍ لِعَدَمِ كَسْبِهِ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ أَوْ بَدَلٌ