وَلِذَا سُمِّيَ بِالصَّدِّيقِ (ثُمَّ قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ - قَالَ نَعَمْ فَعَلِمُوا أَنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيْ: أَنَّهُ (قَدْ صَدَقَ) لِكَوْنِهِ قَطُّ فِي عُمُرِهِ مَا كَذَبَ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذِهِ الْمُصِيبَةِ وَقَعُوا فِي حَيْرَةٍ مَهِيبَةٍ فَبَعْضُهُمْ خَبَلَ كَعُمَرَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، وَبَعْضُهُمْ أُقْعِدَ فَلَمْ يُطِقِ الْقِيَامَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ بَلْ أَضْنَى فَمَاتَ كَمَدًا وَبَعْضُهُمْ أُخْرِسَ فَلَمْ يُطِقِ الْكَلَامَ كَعُثْمَانَ وَكَانَ أَثْبَتَهُمْ أَبُو بَكْرٍ جَاءَ وَعَيْنَاهُ تُهْمِلَانِ وَزَفَرَاتُهُ تَتَصَاعَدُ مِنْ حَلْقِهِ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَانْقَطَعَ لِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَعَظُمْتَ عِنْدَ الصِّفَةِ وَجَلَلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ وَلَوْ أَنَّ مَوْتَكَ كَانَ اخْتِيَارًا لَجُدْنَا لِمَوْتِكَ بِالنُّفُوسِ اذْكُرْنَا يَا مُحَمَّدُ عِنْدَ رَبِّكَ وَلْنَكُنْ مِنْ بَالِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ أَصَابَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ فَمَا زَالَ يُحْرَى بَدَنُهُ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَيْ: يَذُوبُ وَيَنْقُصُ ذَكَرَهُ الدُّمَيْرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَامَ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبَّلَهُ فَقَالَ بِأَبِي وَأُمِّي

طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقَنَّكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: عَلَى مَهْلِكَ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الْآيَةَ قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ أَيْ: غُصُّوا بِالْبُكَاءِ مِنْ غَيْرِ انْتِحَابٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَمَّا مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَجْزَعَ النَّاسِ كُلِّهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا جَاءَ كَشَفَ الْبُرْدَةَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ وَاسْتَنْشَقَ الرِّيحَ أَيْ: شَمَّ رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ سَجَّاهُ وَالْتَفَتَ إِلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ مَا مَرَّ قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ لَكَأَنِّي لَمْ أَتْلُ هَذِهِ الْآيَاتِ قَطُّ.

وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ سَجَّيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ عُمَرُ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاسْتَأْذَنَا فَأَذِنْتُ لَهُمَا وَجَذَبْتُ الْحِجَابَ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَيْهِ فَقَالَ وَاغَشْيَتَاهْ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ يَا عُمَرُ مَاتَ؟ فَقَالَ كَذَبْتَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَرَفَعْتُ الْحِجَابَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ يَا عُمَرُ فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ مِنْهُ كُلُّهُمْ فَمَا سُمِعَ بَشَرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا قَالَ مَا مَرَّ فِي الْمُنَافِقِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الِاسْتِبْشَارَ وَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَمَّ إِلَى تِلْكَ الْآيَاتِ قَوْلَهُ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الْآيَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْوَائِلِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ أَيْ عُمَرَ حِينَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَمْسِ مَقَالَةً أَيْ: لَمْ يَمُتْ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُهَا فِي كِتَابٍ، وَلَا فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ حَتَّى يَكُونَ آخِرَنَا مَوْتًا فَاخْتَارَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا لِمَا هَدَى اللَّهُ لَهُ رَسُولَهُ. أَقُولُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِقَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وُجُوهٌ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُصَلَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنُّونِ (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: وَكَيْفَ؟) أَيْ: يُصَلَّى عَلَيْهِ (قَالَ يَدْخُلُ قَوْمٌ فَيُكَبِّرُونَ) أَيْ: أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَهُنَّ الْأَرْكَانُ عِنْدَنَا وَالْبَوَاقِي مُسْتَحَبَّاتٌ (وَيَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ) أَيْ: عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ إِذِ الصَّلَاةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّعَاءِ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّسْبِيحَ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ وُقُوعِهِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ الْمَخْصُوصَيْنِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ بِمَا بَعْدَ التَّكْبِيرَتَيْنِ

مِنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى عَدَمِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَإِشْعَارٌ بِعَدَمِ فَرْضِيَّةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ وُجُوبُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَتْ أَرْكَانًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَهُوَ أَرْبَعٌ، وَيَجُوزُ أَكْثَرُ لَا أَقَلُّ (ثُمَّ يَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَدْخُلُ قَوْمٌ فَيُكَبِّرُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ) وَفِي نُسْخَةٍ بِتَقْدِيمِ يَدْعُونَ (ثُمَّ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَدْخُلَ النَّاسُ) أَيْ وَهَكَذَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّاسُ جَمِيعًا.

وَرَوَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015