فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَسْقَلَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَانَ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ حَذْفًا وَاجِبًا إِذْ هُوَ نَحْوُ " أَخْطَبُ مَا يَكُونُ الْأَمِيرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَمَعْنَاهُ أَجْوَدُ أَكْوَانِهِ، وَفِي رَمَضَانَ فِي مَحَلِّ الْحَالِ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ حَاصِلٌ فَمَعْنَاهُ أَجْوَدُ أَكْوَانِهِ حَاصِلًا فِي رَمَضَانَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا " إِنَّ اللَّهَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ ".

وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَاسْمُهُ ضَمِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ كَوْنِهِ فِي رَمَضَانَ أَجْوَدَ مِنْ نَفْسِهِ فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ كَانَ فِيهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَأَجُودُ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَخَبَرُهُ فِي رَمَضَانَ وَالْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِضَمِيرِ الشَّأْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّصْبَ أَظْهَرُ وَالرَّفْعَ أَشْهَرُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الرَّفْعُ أَشْهَرُ وَالنَّصْبُ جَائِزٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَالِكٍ عَنْهُ فَخَرَّجَ الرَّفْعَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَالنَّصْبَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ لِلرَّفْعِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ فَتَوَارَدَ مَعَ ابْنِ مَالِكٍ فِي وَجْهَيْنِ وَزَادَ ثَلَاثَةً وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى النَّصْبِ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَيُرَجِّحُ الرَّفْعَ وُرُودُهُ بِدُونِ كَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَفَضَائِلِ الْقُرْآنِ قُلْتُ: إِذَا كَانَ مِنْ نَوَاسِخِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فَالتَّرْجِيحُ بِوُجُودِ الرَّفْعِ عِنْدَ عَدَمِهَا لَا يَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ، وَقِيلَ الْوَقْتُ مُقَدَّرٌ أَيْ: كَانَ أَجْوَدُ أَوْقَاتِهِ وَقْتَ كَوْنِهِ فِي رَمَضَانَ وَإِسْنَادُ الْجُودِ إِلَى أَوْقَاتِهِ كَإِسْنَادِ الصَّوْمِ إِلَى النَّهَارِ وَالْقِيَامِ إِلَى اللَّيْلِ فِي قَوْلِكَ: نَهَارُهُ صَائِمٌ وَلَيْلُهُ قَائِمٌ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ وَجَمْعِ الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُضَافُ إِلَى الْمُفْرَدِ (حَتَّى يَنْسَلِخَ) أَيْ: يَتِمَّ رَمَضَانُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ زِيَادَةَ جُودِهِ مِنْ أَثَرِ وُجُودِهِ كَانَتْ تَسْتَمِرُّ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ رَمَضَانَ إِلَى أَنْ يَنْسَلِخَ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلِ الْجُودِ الزَّائِدِ عَلَى جُودِ النَّاسِ جَمِيعًا وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ الْحَنَفِيُّ بِقَوْلِهِ أَيْ: كَمَالِ جُودِهِ كَانَ فِي تَمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّمَامِ الْجَمِيعُ وَذَلِكَ مِنَ الْبَدِيعِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَدَرَ مِنْهُ بَعْدَ تَفْسِيرِ " يَنْسَلِخَ "

بِـ " يَتِمَّ " فَتَأْوِيلُهُ لَا يَتِمُّ، وَإِنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آثَارُ الْجُودِ فِي رَمَضَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْسِمُ الْخَيْرَاتِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ عَلَى عِبَادِهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ مَا لَا يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَخَلِّقًا بِأَخْلَاقِ رَبِّهِ، فَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْوَدَ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى أَسْرَعَ أَوْ لِكَوْنِ الْمُرْسَلَةِ يَنْشَأُ عَنْهَا جُودٌ كَثِيرٌ (فَيَأْتِيهِ جِبْرِيلُ) أَيْ: أَحْيَانًا فِي رَمَضَانَ، فَالْفَاءُ لِلتَّفْصِيلِ لَا كَمَا قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِلْمَقَامِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ زِيَادَةَ جُودِهِ إِنَّمَا كَانَتْ لِمُلَاقَاةِ جِبْرِيلَ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُ زِيَادَةِ الْجُودِ فِي رَمَضَانَ مُطْلَقًا عَلَى سَائِرِ الزَّمَانِ، نَعَمْ يَزِيدُ عِنْدَ مُلَاقَاتِهِ وَمُدَارَسَتِهِ الْقُرْآنَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَفِي أُخْرَى لَهُ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ يَلْقَاهُ، وَإِنْ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَفِيهِ بَيَانُ سَبَبِ الْأَجْوَدِيَّةِ، وَهِيَ أَبْيَنُ مِنْ رِوَايَةِ حِينَ يَلْقَاهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَجْوَدِيَّةِ عَلَى سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ الرَّمَضَانِيَّةِ (فَيَعْرِضُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَيْهِ) أَيِ: النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (الْقُرْآنَ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ كَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ قِرَاءَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا بِحَسَبِ الْمَقَامِ وَالْمَرَامِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْمُعْتَادَ قِرَاءَةُ جِبْرِيلَ وَسَمَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا قِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمَاعُ أَصْحَابِهِ وَهَكَذَا طَرِيقَةُ الْمُحَدِّثِينَ مِنَ السَّلَفِ، وَأَمَّا الْخَلَفُ فَاخْتَارُوا أَنَّ التِّلْمِيذَ يَقْرَأُ وَالشَّيْخَ يَسْمَعُهُ لِعَدَمِ الْقَابِلِيَّةِ الْكَامِلَةِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ مِيرَكُ: وَفَاعِلُ يَعْرِضُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ وَضَمِيرُ عَلَيْهِ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّهُ تَرْجَمَ بِلَفْظِ " كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: هَذَا عَكْسُ مَا وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِضُ عَلَى جِبْرِيلَ وَكَانَ الْبُخَارِيُّ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ بِلَفْظِ " كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ - صلّى الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015