بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ) أَيِ: الْأَيْسَرُ (مَأْثَمًا) أَيْ: إِثْمًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ مَوْضِعَ إِثْمٍ ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: إِثْمًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَفِيهَا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ (مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ سَخَطٌ فَالْإِثْمُ الْمَعْصِيَةُ وَزَعَمَ أَنَّهُ يَشْمَلُ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ إِنَّمَا نَشَأَ عَنِ الْجَهْلِ بِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَبَعًا لِشَارِحِ التَّخْيِيرِ إِمَّا بِأَنْ يُخَيِّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا فِيهِ عُقُوبَتَانِ فَيَخْتَارُ الْأَخَفَّ أَوْ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ فَيَخْتَارُ أَخْذَهَا أَوْ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ فِي الْمُجَاهَدَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِاقْتِصَادِ فَيَخْتَارُ الِاقْتِصَادَ، وَإِمَّا بِأَنْ يُخَيِّرَهُ الْمُنَافِقُونَ وَالْكُفَّارُ فَعَلَى الْأَخِيرِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا وَعَلَى مَا سَبَقَ مُنْقَطِعًا إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَخْيِيرُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بَيْنَ جَائِزَيْنِ قُلْتُ بَقِيَ تَخْيِيرٌ آخَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ أُمَّتِهِ بَيْنَ وُجُوبِ الشَّيْءِ وَنَدْبِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَإِبَاحَتِهِ وَتَخْيِيرٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ فِي أَمْرَيْنِ فَيَخْتَارُ الْأَيْسَرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهِمْ.
(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا عِنْدَهُ) قِيلَ: اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، وَقِيلَ هُوَ مَخْرَمَةُ وَلَا يَبْعُدُ تَعَدُّدُ الْقَضِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ ظَاهِرًا (فَقَالَ بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ أَخُو الْعَشِيرَةِ) كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ أَوْ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَالْعَشِيرَةُ الْقَبِيلَةُ أَيْ: بِئْسَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ فَإِضَافَةُ الِابْنِ أَوِ الْأَخِ إِلَيْهَا كَإِضَافَةِ الْأَخِ لِلْعَرَبِ فِي يَا أَخَا الْعَرَبِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا وَأَوْ لِلشَّكِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنْ سُفْيَانَ فَإِنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ الْمُنْكَدِرِ رَوَوْهُ عَنْهُ بِدُونِ الشَّكِّ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ) مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَقِيلَ الْمَقْصُودُ إِظْهَارُ حَالِهِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلَا يَغْتَرُّوا بِهِ فَلَا يَكُونُ غَيْبَةً، وَقِيلَ كَانَ مُجَاهِرًا بِسُوءٍ فَقَالَهُ وَلَا غِيبَةَ لِلْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ