الْإِقْبَالِ وَالْكَلَامِ، وَالتَّأَلُّفُ هُوَ الْمُدَارَاةُ وَالْإِينَاسُ لِيَثْبُتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُبِينَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالضَّمِيرُ فِي يَتَأَلَّفُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَشَرِّ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ جُمِعَ مَعْنًى وَأَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ التَّأَلُّفَ كَانَ عَامًّا لَكِنَّهُ يَزِيدُ فِي الْأَشْرَارِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَتَأَلَّفُ الْقَوْمَ إِذْ أَرْبَابُ الْخَيْرِ مَائِلُونَ إِلَيْهِ فَإِذَا تَأَلَّفَ الْأَشْرَارَ أَيْضًا تَأَلَّفَ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ، وَهَذَا أَظْهَرُ لِئَلَّا يَحْصُلَ الضَّرَرُ بِالتَّنَافُرِ الطَّبِيعِيِّ وَإِنَّمَا كَانَ يَقِلُّ التَّأَلُّفُ مَعَ الْأَبْرَارِ وَيَكْثُرُ مَعَ الْأَشْرَارِ؛ لِأَنَّ الصُّلَحَاءَ مُسْتَقِيمُونَ عَلَى الْجَادَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ الْآيَةَ (فَكَانَ) الْفَاءُ تَعْلِيلِيَّةً أَوْ تَفْرِيعِيَّةً أَيْ: فَكَانَ كَثِيرًا مَا (يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَيَّ حَتَّى ظَنَنْتُ) أَيْ: مِنْ كَثْرَةِ الْتِفَاتِهِ إِلَيَّ (أَنِّي خَيْرُ الْقَوْمِ) وَسَبَبُهُ أَنَّهُ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَمِنْ رُؤَسَاءِ قَوْمِهِ مِنَ الْأَنَامِ (فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ وَتَرَدُّدِهِ فِي بَعْضِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ (أَنَا خَيْرٌ أَوْ أَبُو بَكْرٍ) وَفِي نُسْخَةٍ أَمْ
أَبُو بَكْرٍ؟ كَمَا فِي الْبَقِيَّةِ (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُمَرُ؟ فَقَالَ عُمَرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُثْمَانُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ فَلَمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَدَقَنِي) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ: أَجَابَ سُؤَالِي بِجَوَابِ صِدْقٍ وَقَوْلِ حَقٍّ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ وَمُدَارَاةِ خَلْقٍ، وَأَغْرَبَ شَارِحٌ حَيْثُ قَالَ الْمَعْنَى أَجَابَنِي بِسُؤَالِي وَلَمْ يَمْنَعْنِي عَنِ السُّؤَالِ، وَفِي النُّسَخِ صَدَقَنِي بِدُونِ الْفَاءِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ إِتْيَانَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ لَمَّا غَيْرُ مَشْهُورٍ لَكِنَّهُ سَائِغٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّةِ النَّحْوِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ خِلَافَهُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا زَائِدَةٌ، أَوِ الْجَوَابُ بَعْدَهَا مُقَدَّرٌ أَيْ: لَمَّا سَأَلْتُهُ فَصَدَقَنِي نَدِمْتُ حِينَئِذٍ أَوْ حَزِنْتُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَلَوَدِدْتُ عَطْفًا عَلَى فَصَدَقَنِي عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ عَلَى الثَّانِي قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فَصَدَّقَنِي بِالتَّشْدِيدِ قِيلَ وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ انْتَهَى، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ خَيْرُ أَصْحَابِهِ لِجَهْلِهِ بِعَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِذَلِكَ لَمْ يُعِنْهُ فِي تَطَلُّعِهِ إِلَى أَفْضَلِيَّتِهِ حَتَّى عَلَى الشَّيْخَيْنِ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ فَيُحْمَلُ التَّشْدِيدُ عَلَيْهِ، تَمَّ كَلَامُهُ وَلَا يَظْهَرُ مَرَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي ظَنِّهِ بَلْ كَذَّبَهُ وَخَطَّأَهُ فِي ظَنِّهِ بَلْ كَذَّبَهُ وَخَطَّأَهُ فِي وَهْمِهِ ثُمَّ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى كَثْرَةِ تَوَجُّهِهِ وَإِقْبَالِهِ غَفْلَةً عَنْ أَنَّ الْمَشَايِخَ يَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْمُرِيدِ الْغَرِيبِ الْمُبْتَدِئِ أَكْثَرَ مِنَ الْقَرِيبِ الْمُنْتَهِي ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا عَلَى نُسْخَةِ صَدَقَنِي بِلَا فَاءٍ فَيَكُونُ جُمْلَةً حَالِيَّةً بِتَقْدِيرِ «قَدْ» سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُخَفَّفُ وَالْمُشَدَّدُ انْتَهَى، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ إِذْ يَبْقَى الْكَلَامُ بِدُونِ الْجَوَابِ، وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ صَلَاحِيَتِهِ جَوَابًا لَهُ كَيْفَ يَعْدِلُ عَنْهُ وَيَجْعَلُ حَالًا ثُمَّ يَجْعَلُ الْجَوَابَ مُقَدَّرًا أَوْ يَجُوزُ الْجَوَابُ مَعَ وُجُودِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ (فَلَوَدِدْتُ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ: أَحْبَبْتُ وَتَمَنَّيْتُ (أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ) أَيْ: حَيَاءً لِظُهُورِ خَطَأِ ظَنِّهِ وَفَضِيحَةً مِنَ الشَّرِّ الْمُوجِبِ لِكَثْرَةِ إِقْبَالِهِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ (عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ) كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تِسْعَ سِنِينَ، وَلَعَلَّهُ أَسَقَطَ السَّنَةَ الْمُبْتَدَأَةَ، وَكَانَ عُمْرُهُ حِينَئِذٍ عَشْرَ سِنِينَ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ (فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ فَاءٍ