جَمِيعًا ثُمَّ رَكِبَ، وَقَالَ: لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَفَعَلَ فَوَقَعَا جَمِيعًا ثُمَّ رَكِبَ، وَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ لَا وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا رَمَيْتُكَ ثَالِثًا، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإِصْلَاحِ شَاةٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عَلَيَّ ذَبْحُهَا، وَقَالَ آخَرُ: عَلَيَّ سَلْخُهَا، وَقَالَ آخَرُ: عَلَيَّ طَبْخُهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيَّ جَمْعُ الْحَطَبِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكْفِيكَ الْعَمَلَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ تَكْفُونِي، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أَتَمَيَّزَ عَلَيْكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرَاهُ مُتَمَيِّزًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ الْقِصَّةَ الْأَخِيرَةَ مُخْتَصَرَةً، وَرَوَى أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي الطَّوَافِ فَانْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: نَاوِلْنِي أُصْلِحُهُ فَقَالَ: هَذِهِ أَثَرَةٌ، وَلَا أَحَبَّ الْأَثَرَةُ.
وَهِيَ بِفَتْحِهِمَا الِاسْتِئْثَارُ، وَالِانْفِرَادُ بِالشَّيْءِ، وَفِي الشِّفَاءِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَدَمَ وَفْدَ النَّجَاشِيِّ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ نَكْفِيكَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكَافِئِينَ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَهُمْ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ: كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِي (قَالُوا: أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا تُطْرُونِي) مِنَ الْإِطْرَاءِ بِمَعْنَى مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ فِي الْمَدْحِ بِالْكَذِبِ (كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَفْرَطُوا فِي مَدْحِهِ، وَجَاوَزُوا فِي حَدِّهِ إِلَى أَنْ جَعَلُوهُ وَلَدًا لِلَّهِ تَعَالَى فَمَنَعَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَصِفُوهُ بِالْبَاطِلِ، وَفِي الْعُدُولِ عَنِ الْمَسِيحِ إِلَى ابْنِ مَرْيَمَ تَبْعِيدٌ عَنِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ بَالَغُوا فِي الْمَدْحِ بِالْكَذِبِ حَتَّى جَعَلُوا مَنْ حَصَّلَ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ الطَّوَامِثِ إِلَهًا، وَابْنَ إِلَهٍ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يَلْزَمُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ وُقُوعُهُ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ادَّعَى فِي نَبِيِّنَا مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فِي عِيسَى، وَإِنَّمَا سَبَبُ النَّهْيِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لَمَّا اسْتَأْذَنَ فِي السُّجُودِ لَهُ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ، وَإِرَادَةِ التَّكْرِيمِ، فَامْتَنَعَ وَنَهَاهُ، وَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُبَالِغَ غَيْرُهُ بِأَخْوَفَ مِنْ ذَلِكَ فَبَادَرَ إِلَى النَّهْيِ تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ فَالْمَعْنَى لَا تَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي مَدْحِي بِغَيْرِ الْوَاقِعِ فَيَجُرُّكُمْ ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ كَمَا جَرَّ النَّصَارَى إِلَيْهِ لَمَّا تَعَدَّوْا عَنِ الْحَدِّ فِي مَدْحِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ، وَاتَّخَذُوهُ إِلَهًا كَمَا حَرَّفُوا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الْإِنْجِيلِ عِيسَى نَبِيٌّ، وَأَنَا وَلَدْتُهُ فَجَعَلُوا الْأَوَّلَ بِتَقْدِيمِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَخَفَّفُوا اللَّامَ فِي الثَّانِي فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ، وَقَالَ: (إِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ عَبْدُ اللَّهِ، وَفِي أُخْرَى عَبْدٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ فَإِرْدَافُهُ النَّهْيَ بِهَذَا الْقَوْلِ لِإِرَادَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِي صِفَةٌ غَيْرَ الْعُبُودِيَّةِ، وَالرِّسَالَةِ، وَهَذَا غَايَةُ الْكَمَالِ فِي مَرْتَبَةِ الْمَخْلُوقِ، فَلَا تَقُولُوا فِي حَقِّي شَيْئًا يُنَافِي هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، وَلَا تَعْتَقِدُوا فِي شَأْنِي وَصْفًا غَيْرَهُمَا (فَقُولُوا عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ)