أَمْرٍ يُوجِبُ اجْتِمَاعَ النَّاسِ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، نَعَمْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ مَا يُخْشَى أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ اجْتِمَاعًا يُؤَدِّي إِلَى فِتْنَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، وَهُنَا كَذَلِكَ إِذْ رُبَّمَا يَتَزَاحَمُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ، وَرُبَّمَا يَقْتَدُونَ بِهِ بَعْضُ السُّفَهَاءِ أَوْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ، فَيَقَعُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ.
(أَوْ قَالَ) أَيْ: مُعَاوِيَةُ وَأَوْ لِلشَّكِ (اللَّحْنِ) بِالْجَرِّ أَيْ: بَدَلًا عَنِ الصَّوْتِ فَقِيلَ اللَّحْنُ بِمَعْنَى الصَّوْتِ، وَقِيلَ بِمَعْنَى النَّغَمِ، وَيُقَالُ لَحَنَ فِي قِرَاءَتِهِ إِذَا طَرِبَ، وَعَرَّبَ أَيْ: أَتَى بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْفَصِيحَةِ، وَقِيلَ اللُّحُونُ وَالْأَلْحَانُ جَمْعُ لَحْنٍ، وَهُوَ التَّطْرِيبُ، وَتَرْجِيعُ الصَّوْتِ وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ وَالشِّعْرِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: مَعْنَى التَّرْجِيعِ تَحْسِينُ التِّلَاوَةِ لَا تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ يُنَافِي الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ التِّلَاوَةِ فَكَانَ الْمَنْفِيُّ مِنَ التَّرْجِيعِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَمَعَ لِقِرَاءَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْمَعُهُ لَحَبَّرْتُهُ تَحْبِيرًا، أَيْ: زِدْتُ فِي تَحْسِينِهِ بِصَوْتِي تَزْيِينًا، وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ
السَّلَفِ عَلِمَ أَنَّهُمْ بَرِيئُونَ مِنَ التَّصَنُّعِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ الْمُخْتَرَعَةِ دُونَ التَّطْرِيبِ، وَالتَّحْسِينِ الطَّبِيعِيِّ، فَالْحَقُّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ طَبِيعَةً، وَسَجِيَّةً كَانَ مَحْمُودًا، وَإِنْ أَعَانَتْهُ طَبِيعَتُهُ عَلَى زِيَادَةِ تَحْسِينٍ وَتَزْيِينٍ لَتَأَثَّرَ التَّالِي وَالسَّامِعُ بِهِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ تَكَلُّفٌ وَتَصَنُّعٌ بِتَعَلُّمِ أَصْوَاتِ الْغِنَاءِ، وَأَلْحَانٍ مَخْصُوصَةٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي كَرِهَهَا السَّلَفُ وَالْأَتْقِيَاءُ مِنَ الْخَلَفِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ) نِسْبَةٌ إِلَى حُدَّانَ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَتَشْدِيدِ دَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَزْدِ (عَنْ حُسَامِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بْنِ مِصَكٍّ) بِكَسْرِ مِيمٍ فَفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ كَافٍ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، فَفِي الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ: مَطْرُوحٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَمِنْ مَنَاكِيرِهِ حَدِيثُ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا حَسَنَ الصَّوْتِ.
(عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَكَانَ نَبِيُّكُمْ) زَادَ فِي نُسْخَةٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْمُصَنِّفِ، وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتًا أَيْ: أَمْلَحَهُمْ وَأَفْصَحَهُمْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حَدِيثَ الْبَيْهَقِيِّ، وَغَيْرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَقِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَنُ مَا خَلْقَ اللَّهُ وَقَدْ فَضَلَ النَّاسَ بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ أَحْسَنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ هُنَا قَوْلًا لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَحَمَلَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ الَّذِي أُوتِيهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَانَ) أَيْ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا يُرَجِّعُ) أَيْ: بِتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ أَوْ عَنْ قَصْدٍ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا، وَفِي أُخْرَى حَدَّثَنَا (يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ فِي الْأَصْلِ، وَمُنْصَرِفٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحُسْنِ فَوَزْنُهُ فَعَّالٌ أَوْ مِنَ الْحَسَنِ فَوَزَنَهُ فَعْلَانُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ زَايٍ فَنُونٍ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ) وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ (قِرَاءَةُ النَّبِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولِ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا يَسْمَعُهَا) وَفِي نُسْخَةٍ يَسْمَعُهُ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ مَا قَرَأَ (مَنْ فِي الْحُجْرَةِ) أَيْ: صَاحِبُ الْبَيْتِ (وَهُوَ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الْبَيْتِ)