زِيَادَةً عَلَى الْمَدِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهَا إِلَّا بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَالْمَذْهَبُ الْأَعْدَلُ أَنْ يَمُدَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا ضِعْفَيْ مَا كَانَ يَمُدُّهُ أَوَّلًا، وَقَدْ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا وَمَا زَادَ، فَهُوَ غَيْرُ مَحْمُودٍ انْتَهَى.
وَهُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ فِي الْمَدِّ الْمُتَّصِلِ، وَكَذَا الْمُنْفَصِلِ عِنْدَ مَنْ يَمُدُّهُ مِنْ أَقَلِّ مَقَادِيرِهِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَلِفَاتٍ، وَقُرِئَ لِوَرْشٍ، وَحَمْزَةَ قَدْرَ خَمْسِ أَلِفَاتٍ فَمَسَائِلُ الْعُلُومِ تُؤْخَذُ مِنْ أَرْبَابِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ) بِضَمِّ هَمْزٍ وَفَتْحِ مِيمٍ نِسْبَةً (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) بِجِيمَيْنِ مُصَغَّرًا (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ) أَيْ: بِالتَّوَقُّفِ مِنَ التَّقْطِيعِ، وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ قِطْعَةً قِطْعَةً (يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) بِرَفْعِ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ (ثُمَّ يَقِفُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي بَاقِي السُّورَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنَ التَّقْطِيعِ فِي الْفِقْرَاتِ مِنْ رُءُوسِ الْآيَاتِ (ثُمَّ يَقُولُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ يَقِفُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ: تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ، وَلَوْ فِيهِ قَطْعُ الصِّفَةِ عَنِ الْمَوْصُوفِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ، وَغَيْرُهُمَا يُسَنُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ: وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا لِلِاتِّبَاعِ فَقَدَحَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْوَقْفِ يَوْمِ الدِّينِ غَفْلَةً عَنِ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي كُتُبِ الْقُرَّاءِ إِذْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْفَوَاصِلِ وَقْفٌ حَسَنٌ، وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ هَلِ الْوَصْلُ أَوِ الْوَقْفُ فَالْجُمْهُورُ كَالسَّجَاوَنْدِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْجَزَرِيِّ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ: صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ آيَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْقُرَّاءِ الْوَقْفُ عَلَى مَا يَنْفَصِلُ فِيهِ الْكَلَامُ أَوْلَى غَفْلَةً عَنِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ اتِّبَاعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْأَوْلَى انْتَهَى، وَالْأَعْدَلُ عَدَمُ الْعُدُولِ عَمَّا وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْوَقْفِ مُتَابَعَةً ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ حَجَرٍ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ، فِيهِ مُصَادَرَةٌ بَلْ مُكَابَرَةٌ.
ثُمَّ قَوْلُهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةً فَعَمِلْنَا بِالصَّرِيحِ وَتَرَكْنَا الْمُحْتَمَلَ.
مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَمْنَعُ التَّأْيِيدَ فِي الْقَوْلِ السَّدِيدِ مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: يُسَنُّ وَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِالْحَمْدَلَةِ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ بَلْ وَرَدَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ بِخُصُوصِهِ حَدِيثٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ يَقِفُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأْبَى عَنْ هَذَا (وَكَانَ يَقْرَأُ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ: أَحْيَانًا، وَإِلَّا فَالْجُمْهُورُ عَلَى حَذْفِ الْأَلِفِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَوُجِدَ بِخَطِّ السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ أَنَّ صَوَابَهُ مَلِكِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ المص فِي الْجَامِعِ، وَمِنْ شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ لِلْمَوْلَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيِّ فَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ سَهْوٌ مِنَ الْكُتَّابِ لَا مِنْ مُصَنِّفِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: فِي جَامِعِهِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ لَكِنْ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: نَقْلًا عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجَلُّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ عَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ، وَأُخْتُهَا أَسْمَاءُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ وَالْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ لَكِنْ أَدْرَكَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعْ كَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ انْتَهَى. وَإِذَا
ثَبَتَ سَمَاعُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ عَنْهَا بَلْ نَقُولُ رِوَايَةُ اللَّيْثِ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَلَوْ قَدَحَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ انْقِطَاعًا لَأَصَابَ مَعَ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا إِذَا وَرَدَ عَنْ ثِقَةٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَلِذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثُ اللَّيْثِ أَصَحُّ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ