السُّنَّةِ مُتَوَالِيَةً لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى الْأُمَّةِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا أَيْ: فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ قَلَّمَا يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُنْضَمًّا إِلَى مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَسُمِّيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ تَمَّ خَلْقُ الْعَالَمِ بِخَلْقِ آدَمَ فَاجْتَمَعَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي الْوُجُودِ بِحَسْبِ الْعَالَمِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، فَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.

(حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ (الْمَدِينِيُّ) وَفِي نُسْخَةٍ الْمَدَنِيُّ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ) أَيْ: نَفْلًا (فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ فِي شَعْبَانَ) وَأَغْرَبَ مِيرَكُ حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ صِيَامُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُشْكَلَ بِصِيَامِ رَمَضَانَ، انْتَهَى.

وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى.

(حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ) أَيِ: ابْنُ غَيْلَانَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا (قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهَا (قَالَتْ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ) وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولُ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَتْ: نَعَمْ قُلْتُ مِنْ أَيِّهِ) أَيْ: مِنْ أَيِّ شَهْرٍ يَعْنِي مِنْ أَيَّامِهِ (كَانَ يَصُومُ قَالَتْ: كَانَ لَا يُبَالِي) أَيْ: يَسْتَوِي عِنْدَهُ أَوْ كَانَ يُخَيَّرُ (مِنْ أَيِّهِ صَامَ) أَيْ: مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ مِنْ أَيْ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِ فِي أَثْنَائِهِ صَامَ، وَيُوَضِّحُهُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَهَا مِنْ أَيِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ، فَقَوْلُهُ مِنْ أَيِّهِ أَيِّ أَيَّامِهِ ; لِأَنَّ أَيَّ إِذَا أُضِيفَ إِلَى جَمْعٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ السُّؤَالُ عَنْ تَعْيِينِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَأَيِّ الرِّجَالِ جَاءَ أَيْ: أَزَيْدٌ أَمْ خَالِدٌ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ شَارِحٍ مُضَافًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الضَّمِيرِ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِئَلَّا يُظَنَّ تَعْيِينُهَا وُجُوبًا فَإِنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ تَحْصُلُ بِصَوْمِ أَيِّ ثَلَاثَةٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَالْأَفْضَلُ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَتَالِيَيْهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُسَنُّ صَوْمُ الثَّانِي عَشَرَ

احْتِيَاطًا وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرِ، وَكَذَا ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِهِ السَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ، وَتَالِيَيْهِ وَمِمَّنِ اخْتَارَ صَوْمَ أَيَّامِ الْبِيضِ كَثِيرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي حَضَرٍ، وَلَا سَفَرٍ قَالَ الْقَاضِي: اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَفَسَّرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِأَيَّامِ الْبِيضِ، وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَارَ النَّخَعِيُّ، وَآخَرُونَ ثَلَاثَةً فِي أَوَّلِهِ مِنْهُمِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَاخْتَارَتْ عَائِشَةُ وَآخَرُونَ صِيَامَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرٍ ثُمَّ الثُّلَاثَاءِ، وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ مِنْ آخَرَ، وَفِي حَدِيثٍ رَفَعَهُ ابْنُ عُمَرَ أَوَّلُ اثْنَيْنِ فِي الشَّهْرِ، وَخَمِيسَانِ بَعْدَهُ وَأُمُّ سَلَمَةَ أَوَّلُ خَمِيسٍ، وَالِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ، وَقِيلَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَالْعَاشِرُ وَالْعِشْرُونُ، وَقِيلَ أَنَّهُ صَامَ بِهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَرُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ صَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ، وَلَعَلَّهُ مَخَافَةَ الْوُجُوبِ عَلَى مَا اقْتَضَى أَصْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ الْمَالِكِيُّ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُعْمَلُ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِقَوْلٍ، وَالْبَاقِي بِقَوْلٍ الْأَكْثَرِ الْأَشْهَرِ، وَهُوَ أَيَّامُ الْبِيضِ وَإِنْ قُدِرَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَهُوَ أَكْمَلُ، وَأَفْضَلُ (قَالَ أَبُو عِيسَى) أَيِ: المص (يَزِيدُ الرِّشْكُ هُوَ يَزِيدُ الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَبُو الْأَزْهَرِ الْبَصْرِيُّ يُعْرَفُ بِالرِّشْكِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الشِّينِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَى عَنْهُ السِّتَّةُ فِي صِحَاحِهِمُ (الْبَصْرِيُّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِكَسْرٍ (وَهُوَ ثِقَةٌ وَرَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ) أَيْ: مَعَ جَلَالَتِهِ (وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ: كَثِيرُونَ (مِنَ الْأَئِمَّةِ) أَيْ: أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَنُقَّادِهِمْ، وَحُذَّاقِهِمْ، فَغَرَضُ التِّرْمِذِيِّ هُنَا بَيَانُ تَوْثِيقِ يَزِيدَ لَكِنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الضُّحَى، فَكَانَ الْأَنْسَبُ إِيرَادُ مَا يَتَعَلَّقُ تَوْضِيحُهُ هُنَا لِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ، وَقَصَدَ التِّرْمِذِيُّ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيِّنُ الْحَدِيثِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015