بِالتَّصْغِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ: عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ الرَّبِيعِ الزِّيَادِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَخْلُو إِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهَا عَنْ مَقَالٍ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى سِتَّ رَكَعَاتٍ) أَيْ: بَعْضَ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُ عَنْهَا أَيْضًا أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الضُّحَى، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ قَوْلِهِ «أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ» ، وَمِنْ قَوْلِهِ: «لَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَا أَحَدٌ يُسَبِّحُهَا» ، «وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهَا» ، فَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ، وَبِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا أَوْ بِأَنَّ التَّجَمُّعَ لَهَا فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ هُوَ الْبِدْعَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا ; لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ لِتَضَمُّنِهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى النَّافِي مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ، أَوْ أَرَادَ نَفْيَ رُؤْيَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ: «قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لَا إِخَالُهُ أَيْ: لَا أَظُنُّهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ نَفْيَ أَصْلِهَا ; لِأَنَّ أَحَادِيثَهَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً، كَيْفَ وَقَدْ رَوَاهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا كُلُّهُمْ شَهِدُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهَا كَمَا بَيَّنَهُ الْحَاكِمُ، وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو زُرْعَةَ: وَرَدَ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ
صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: أَنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ تُفْعَلَ فِي الْمَسْجِدِ لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ، فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّوَافِلِ أَنْ تُفْعَلَ بِالْبَيْتِ، وَلَوْ فِي الْكَعْبَةِ.
فَمَدْفُوعٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا يُفِيدُ كَوْنَهَا أَفْضَلَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.
» أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ «.
ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ بَلْ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ مِنَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِمَا تَقَدَّمَ وَلِخَبَرِ:» مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ «.
قَالَ الْمُصَنِّفُ هُوَ غَرِيبٌ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ، وَالْحُسْنَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ: ضَعِيفٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ لَهُ طُرُقًا تُقَوِّيهِ وَتُرَقِّيهِ إِلَى دَرَجَةِ الْحُسْنِ، وَقِيلَ: أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرْبَعٌ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِقْدَارِ مُوَاظَبَتِهِ، وَقَدْ يُفَضَّلُ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَزِيدِ فَضْلِ اتِّبَاعٍ عَلَى الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى مَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَابِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، فَفِي الْأَوَّلِ أَعْنِي مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ الْإِثْبَاتُ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِيَةِ نَفْيُ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّالِثِ تَقْيِيدُ النَّفْيِ بِغَيْرِ الْمَجِيءِ مِنْ مَغِيبِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَجَمَاعَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَقَالُوا: إِنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُقُوعِ، فَيُقَدَّمُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْإِثْبَاتُ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ أَحَادِيثِهَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا:» مَا رَأَيْتُهُ سَبَّحَهَا «أَيْ مَا دَامَ عَلَيْهَا. وَقَوْلِهَا:» وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا «أَيْ أُدَاوِمُ عَلَيْهَا. قَالَ وَفِي قَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: وَأَنَّهُ كَانَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَهُ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ» إِشَارَةً إِلَى ذَلِكَ، وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حَدِيثِ مُعَاذَةَ عَنْهَا، وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْهَا يَعْنِي الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُخَرَّجِينَ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاتِهِ إِيَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَحَدِيثُ مُعَاذَةَ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْبَيْتِ، قَالَ: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُهَا الثَّالِثُ يَعْنِي حَدِيثَ: «مَا رَأَيْتُهُ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى» الْمُخَرَّجَ فِي الصَّحِيحَيْنِ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَأُخِذَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ، وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَفَتْ صَلَاةَ الضُّحَى الْمَعْهُودَةَ حِينَئِذٍ مِنْ هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ فِي وَقْتٍ مَحْصُورٍ، وَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لَا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ لَا يُغَيَّرُ كَمَا قَالَتْ: يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَيْ: مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى اثْنَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً كَمَا رُوِيَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْهَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا رُوِيَ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَّهَا لِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ خَصَائِصِهِ
وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ