وَرِوَايَةُ الشَّيْخَيْنِ: ثُمَّ اضْطَجَعَ ; فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ فَأَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. هَذَا وَوِتْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرَ اللَّيْلِ هُوَ الْأَغْلَبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْأَفْضَلُ الْأَكْمَلُ، وَإِلَّا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْتَرَ مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ مِنْ أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ، وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَا دُوِّنَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَعْذَارِ
فَإِيتَارُهُ أَوَّلَهُ لَعَلَّهُ كَانَ لِمَرَضٍ، وَأَوْسَطَهُ لَعَلَّهُ كَانَ لِسَفَرٍ.
(حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ، وَاسْمُهُ نَضْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضَّبِّيُّ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ: فِيهِ فَفِي الْقَامُوسِ (مِنْ) تَأَتِي بِمَعْنَى (فِي) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ كَلِمَةُ «مِنْ» فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ ابْتِدَائِيَّةٌ عَلَى نَحْوِ مَا قَالُوهُ فِي نَحْوِ صُمْتُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَفِي نَحْوِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً) بِسُكُونِ الشِّينِ، وَيُكْسَرُ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَكْثَرُ الْوَتْرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَعَمُّ مِنَ الْوَتْرِ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: أَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ مِنْهَا سُنَّةَ الصُّبْحِ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَمَعَ هَاتَيْنِ، وَرِوَايَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ حُوسِبَ فِيهَا سُنَّةُ الْعِشَاءِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا صَلَّى تِسْعًا أَوْ سَبْعًا أَيْ: مِنْ جُمْلَتِهَا ثَلَاثُ الْوَتْرِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ) بِضَمِّ الزَّايِ أَوَّلَهُ (ابْنِ أَوْفَى) لَهُ صُحْبَةٌ مَاتَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ مَنَعَهُ) ، الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (مِنْ ذَلِكَ) أَيِ: الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ (النَّوْمَ) فَاعِلُ مَنَعَهُ (أَوْ غَلَبَتْهُ) أَيِ: النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (عَيْنَاهُ) أَيْ: كَثْرَةُ نُعَاسِهِ فِيهِمَا فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَقِيلَ أَنَّهُ شَكٌ مِنَ الرَّاوِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ غَلَبَةِ الْعَيْنَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَغْلِبُ النَّوْمَ بِحَيْثُ لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ لَا يَنَامَ، وَمِنْ مَنْعِ النَّوْمِ قُوَّةُ الرَّغْبَةِ فِيهِ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مَغْلُوبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَكْسِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ مَنْعِ النَّوْمِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ، وَمِنْ غَلَبَةِ الْعَيْنِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مَثَلًا يُمْكِنُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ دَأْبُهُ وَهِجِّيرَاهُ، فَلَا يَكُونُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مِنْ شَكِّ الرَّاوِي انْتَهَى.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلتَّقْسِيمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهٌ آخَرُ بِأَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَدَمِ التَّنَبُّهِ، وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ يَنْتَبِهُ وَلَمْ يَتَنَشَّطْ لِلْقِيَامِ، أَوْ يَقُومُ وَيُصَلِّي بَعْضَ صَلَاةٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ تَمَامُ الْقِيَامِ (صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً) أَيْ: تَدَارُكًا لِمَا فَاتَهُ مِنَ التَّهَجُّدِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ؛ كَانَ كَمَنْ قَرَأَ مِنَ اللَّيْلِ» . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ النَّافِلَةِ بَلْ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِئَلَّا تَعْتَادَ النَّفْسُ بِالتَّرْكِ، وَعَلَى أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ عَنْهَا بِلَفْظِ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَقُمْ مِنَ اللَّيْلِ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَهَذَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ وِتْرَهُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ سَكَتَتْ عَنْ ذِكْرِ الْوَتْرِ ; لِأَنَّ تَدَارُكَهُ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عِنْدَنَا، وَآكَدُ مِنَ التَّهَجُّدِ عِنْدَ غَيْرِنَا عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى