الْأَخِيرُ (أَوْتَرَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: صَلَّى رَكْعَةَ الْوَتْرِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ صَلَّى الْوَتْرَ لِيَشْمَلَ الْمَذْهَبَيْنِ إِذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكَعَاتٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ تِسْعَ سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ سُوَرٍ آخِرُهُنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ: بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْمُصَنِّفُ قَالَ الْحَنَفِيُّ: كَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِصَارٌ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْوَتْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ثُمَّ يَقُومُ إِشَارَةً إِلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي اللَّيْلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الْوَتْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ (ثُمَّ أَتَى فِرَاشَهُ) أَيْ: فِي النَّوْمِ ; فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي السُّدُسِ السَّادِسِ لِيَتَقَوَّى بِهَا عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمَا بَعْدَهَا مِنْ وَظَائِفِ الطَّاعَاتِ ; وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ صُفْرَةَ السَّهَرِ عَنِ الْوَجْهِ (فَإِذَا) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ (كَانَ) ، وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ (لَهُ حَاجَةٌ) أَيْ: فِي مُبَاشَرَةٍ (أَلَمَّ بِأَهْلِهِ) أَيْ: قَرُبَ مِنْهُمْ لِذَلِكَ قَالَ مِيرَكُ: فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: فِي كَلِمَةِ ثُمَّ فَائِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ مِنْ نِسَائِهِ بَعْدَ إِحْيَاءِ اللَّيْلِ بِالتَّهَجُّدِ ; فَإِنَّ الْجَدِيرَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَاءُ الْعِبَادَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ هُنَا لِتَرَاخِي الْأَخْبَارِ، أَخْبَرَتْ أَوَّلًا أَنَّ عَادَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مُسْتَمِرَّةً بِنَوْمِ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَقِيَامِ آخِرِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْيَانًا أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْ نِسَائِهِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ (فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ) أَيْ: فَإِنِ انْتَبَهَ عِنْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ (وَثَبَ) أَيْ: قَامَ بِسُرْعَةٍ
وَخِفَّةٍ أَوْ قَعَدَ عَلَى لُغَةِ قَبِيلَةِ حِمْيَرَ ; فَإِنَّ الْوُثُوبَ عِنْدَهُمْ بِمَعْنَى الْقُعُودِ (فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ) أَيِ: اغْتَسَلَ (وَإِلَّا تَوَضَّأَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا جَدِيدًا لِأَنَّ نَوْمَهُ لَا يَنْقُضُ كَذَا قِيلَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْجَزْمَ بِذَلِكَ تَسَاهُلٌ إِذْ يُحْتَمَلُ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ نَاقِضٌ آخَرُ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ (وَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ: بَعْدَ أَنْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرَ فِي الْبَيْتِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا، وَلَفْظُهُمَا كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ ; فَإِنْ كَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلْ، وَإِلَّا فَتَوَضَّأَ وَخَرَجَ وَقَدْ أَغْرَبَ الْحَنَفِيُّ حَيْثُ قَالَ: هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَالَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُورَةِ إِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ كَانَتْ مُنْحَصِرَةً فِي الْغُسْلِ، وَالْوُضُوءِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ مَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ» انْتَهَى.
وَهُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِلْمَامِ هُوَ الْجِمَاعُ بِالْإِجْمَاعِ، فَقَوْلُهُ: «مُنْحَصِرَةٌ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ» ، غَيْرُ صَحِيحٍ هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ «أَفْضَلَ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ الْجِمَاعِ عَنِ