يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ قِيلَ، وَافْهَمْ مِنْ قَوْلِهِ: لَكِ، أَنَّهُ لَهَا كَأَبِي زَرْعٍ فِي النَّفْعِ لَا فِي الضُّرِّ الَّذِي جُمْلَتُهَا الطَّلَاقُ، وَالتَّزَوُّجُ عَلَيْهَا، وَكَانَ زَائِدَةٌ أَوْ لِلدَّوَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا أَيْ: كَانَ فِيمَا مَضَى مِنَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا عَلَى وَجْهِ الْبَقَاءِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّ، وَاعْتَرَضَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ الزَّائِدَةِ غَيْرُ عَامِلَةٍ فَلَا يُوصَلُ بِهَا الضَّمِيرُ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ فِي الْأَصْلِ وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَمَّا مَضَى إِلَى وَقْتِ تَكَلُّمِهِ بِذَلِكَ، وَأَبْقَى الْمُسْتَقْبَلَ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ فَأَيُّ حَاجَةٍ مَعَ ذَلِكَ إِلَى جَعْلِهَا لِلدَّوَامِ إِذْ هُوَ خُرُوجٌ عَنِ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَضَرُورَةِ حَاجَةٍ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ ذِكْرِهِنَّ وَحَدِيثِهِنَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ فِي الْأُلْفَةِ وَالرَّفَاءِ لَا فِي الْفُرْقَةِ وَالْخَلَاءِ وَالرَّفَاءُ: الِاجْتِمَاعُ وَالْمُرَافَقَةُ، وَمِنْهَا رَفَوْتُ الثَّوْبَ أَيْ: جَمَعْتُهُ وَالْخَلَاءُ الْمُبَاعَدَةُ وَالْمُجَانَبَةُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ» حَتَّى فِي الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ سَيُفَارِقُهَا، وَتُحْرَمُ مِنْ مَنَافِعَ دِينِيَّةٍ كَانَتْ تَأْخُذُهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمَرْفُوعُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زَرْعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ وَبَاقِيهِ
مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ، وَجَاءَ خَارِجَ الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا كُلُّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَسَاقَهُ بِسِيَاقٍ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَلَفْظُهُ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: بِأَبِي أَنْتَ، وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ كَانَ أَبُو زَرْعٍ قَالَ: اجْتَمَعَ. . فَسَاقَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ، وَكَذَا جَاءَ مَرْفُوعًا كُلُّهُ عِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ، وَيُقَوِّي رَفْعَ جَمِيعِهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمُتَّفَقَ عَلَى رَفْعِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ الْقِصَّةَ، وَعَرَفَهَا فَأَقَرَّهَا، فَيَكُونُ مَرْفُوعًا كُلُّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ فَوَائِدَ كَثِيرَةً كَمَا قَالُوا: مِنْهَا حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ لِلْأَهْلِ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَجَوَازُ السَّمَرِ، وَالْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهَا أَنَّ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ كَنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ أَبِي زَرْعٍ طَلَاقُ أُمِّ زَرْعٍ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقٌ بِتَشْبِيهِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَمِنْهَا أَنَّ ذِكْرَ إِنْسَانٍ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ جَمَاعَةٍ كَذَلِكَ بِأَمْرٍ مَكْرُوهٍ لَيْسَ بِغَيْبَةٍ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْمُرَادُ عَدَمُ التَّعْيِينِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ ; فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ دُونَ السَّامِعِ، فَالَّذِي رَجَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ، وَقَضِيَّةُ مَذْهَبِنَا خِلَافُهُ ; لِأَنَّ أَئِمَّتَنَا صَرَّحُوا بِحُرْمَةِ الْغَيْبَةِ بِالْقَلْبِ وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْغَيْبَةَ بِالْقَلْبِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، فَإِذَا حَرُمَتْ بِهِ، فَأَوْلَى حُرْمَتُهَا بِاللِّسَانِ وَلَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمُغْتَابَ انْتَهَى.
وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ الْقَاضِي لِوُرُودِ أَحَادِيثَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَأَقْوَالِهِمْ بِخُصُوصِ أَعْيَانِهِمْ، وَأَشْخَاصِهِمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ الْغَيْبَةُ الْقَلْبِيَّةُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الْإِصْرَارِ وَالتَّصْمِيمِ عَلَى تِلْكَ الْخَصْلَةِ الدَّنِيَّةِ، وَأَمَّا ذِكْرُهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِبْهَامِ، وَالتَّعْمِيَةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ أَوِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَلَا وَجْهَ لَهُ أَنْ يُسَمَّى غَيْبَةً، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي فَتَاوَاهُ: رَجُلٌ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ، لَمْ يَكُنْ غَيْبَةً حَتَّى يُسَمِّيَ قَوْمًا مَعْرُوفِينَ
وَفِي نُسْخَةٍ: بَابُ مَا جَاءَ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ، وَيُكْسَرُ مَحَلُّ الِاضْطِجَاعِ، وَالْمُرَادُ بِأَخْذِ الْمَضْجَعِ النَّوْمُ فِيهِ ; فَالْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ فِي مَضْجَعِهِ (