ذَكَرَهُ مِيرَكُ وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِجَارَتِهَا ضُرَّتُهَا لِلْمُجَاوَرَةِ بَيْنَهُمَا غَالِبًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مَحْسُودَةٌ لِجَارَتِهَا، وَأَنَّهَا لِحُسْنِهَا صُورَةً وَسِيرَةً تَغِيظُ جَارَتَهَا، وَرُوِيَ: عَقْرُ جَارَتِهَا، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ: هَلَاكُهَا مِنَ الْغَيْظِ وَالْحَسَدِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَعُبْرُ جَارَتِهَا، بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْعِبْرَةِ بِالْكَسْرِ أَيْ: تَرَى مِنْ حُسْنِهَا وَعِفَّتِهَا وَعَقْلِهَا مَا تَعْتَبِرُ بِهِ أَوْ مِنَ الْعِبْرَةِ بِالْفَتْحِ أَيْ: تَرَى مِنْ جَمَالِهَا وَكَمَالِهَا مَا يُبْكِيهَا لِغَيْظِهَا، وَحَسَدِهَا هَذَا، وَفِي الْفَائِقِ: «بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، وَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، وَفِيُّ الْإِلِّ كَرِيمُ الْخِلِّ بَرُودُ الظِّلِّ طَوْعُ أَبِيهَا» . . الْحَدِيثَ، وَالْإِلُّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْعَهْدُ أَيْ: هِيَ وَافِيَةٌ بِعَهْدِهَا، وَكَرَمُ الْخِلِّ أَنْ لَا تُخَادِنَ أَخْدَانَ السُّوءِ، وَبَرْدُ الظِّلِّ مَثَلٌ لِطِيبِ الْعِشْرَةِ، وَإِنَّمَا سَاغَ فِي وَصْفِ الْمُؤَنَّثِ وَفِيُّ وَكَرِيمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِ الرُّوَاةِ، وَالنَّقْلِ مِنْ صِفَةِ الِابْنِ إِلَى صِفَةِ الْبِنْتِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُرَادَ إِنْسَانٌ أَوْ شَخْصٌ وَفِيٌّ كِرِيمٌ، وَالثَّانِي أَنْ يُشَبَّهَ فَعِيلٌ الَّذِي بِمَعْنَى فَاعِلٍ بِالَّذِي بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ) أَيْ: مَمْلُوكَتُهُ (فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَبُثُّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ، وَرُوِيَ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ أَيْ: لَا تَنْشُرُ وَلَا تُظْهِرُ وَلَا تُذِيعُ وَلَا تُشِيعُ (حَدِيثَنَا) أَيْ: كَلَامَنَا وَأَخْبَارَنَا، وَفِي نُسْخَةٍ (تَبْثِيثًا) وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ بَابِهِ أُتِيَ بِهِ لِلتَّأْكِيدِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا وَرُوِيَ: وَلَا تَغُثُّ طَعَامَنَا تَغْثِيثًا، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: لَا تُفْسِدُهُ (وَلَا تَنْقُثُ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ، وَرُوِيَ: وَلَا تَنْقُلُ، وَهُمَا بِمَعْنًى أَيْ: لَا تُخْرِجُ وَلَا تُفَرِّقُ وَلَا تُذْهِبُ (مِيرَتَنَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ: طَعَامَنَا (تَنْقِيثًا) مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ بَابِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، وَرُوِيَ: وَلَا تَنْقِثُ، بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ مَصْدَرُهُ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَةً فِي وَصْفِهَا بِالْأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ، وَالصِّيَانَةِ (وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا) أَيْ: مَكَانَنَا أَيْ: بِتَرْكِ الْكُنَاسَةِ أَوْ بِتَخْبِيَةِ الطَّعَامِ لِلْخِيَانَةِ (تَغْشِيشًا) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمُهْمَلَةِ فَقِيلَ الْأَوَّلُ مِنَ الْغِشِّ ضِدِّ الْخَالِصِ أَيْ: تَمْلَؤُهُ بِالْخِيَانَةِ أَوِ النَّمِيمَةِ، وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عِفَّةِ فَرْجِهَا، وَالثَّانِي مِنْ عُشِّ الطَّيْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُصْلِحَةٌ لِلْبَيْتِ مُهْتَمَّةٌ بِتَنْظِيفِهِ وَإِلْقَاءِ كُنَاسَتِهِ، وَعَدَمِ تَرْكِهَا فِي جَوَانِبِهِ كَأَنَّهَا أَعْشَاشُ الطُّيُورِ، وَقِيلَ لَا تُخَبِّئُ الطَّعَامَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ بِحَيْثُ تُصَيِّرُهَا كَالْأَعْشَاشِ، وَفِي نُسْخَةٍ: «بَيْنَنَا» بِالنُّونِ بَدَلَ «بَيْتَنَا» فَفِي التَّاجِ لِلْبَيْهَقِيِّ مَنْ رَوَاهُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، فَهُوَ يَرْوِي «بَيْنَنَا» بِنُونَيْنِ، وَيَكُونُ مَأْخَذُهُ مِنَ الْغِشِّ، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: التَّغْشِيشُ النَّمِيمَةُ انْتَهَى.
وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنَّ التَّغْشِيشَ بِالْمُعْجَمَةِ لَا يَصِحُّ مَعَ رِوَايَةِ الْبَيْتِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ مَعَ رِوَايَةِ الْبَيْنِ أَظْهَرُ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي النُّهَى، وَأَمَّا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْبَيْتِ لِوُضُوحِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا (قَالَتْ) أَيْ: أُمُّ زَرْعٍ (خَرَجَ) أَيْ: مِنَ الْبَيْتِ (أَبُو زَرْعٍ) أَيْ: يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ (وَالْأَوْطَابُ) جَمْعُ وَطْبٍ أَيْ: أَسْقِيَةُ اللَّبَنِ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ: وَالْوِطَابُ بِكَسْرِ الْوَاوِ (تُمَخَّضَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: تُحَرَّكُ لِاسْتِخْرَاجِ الزُّبْدِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ خَرَجَ
وَهُوَ أَبُو زَرْعٍ (فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ) أَيْ: يَمْشِيَانِ مَعَهَا أَوْ مَصْحُوبَانِ لَهَا، وَقَوْلُهَا (لَهَا) أَيْ: لَيْسَا لِغَيْرِهَا مُرَافِقَيْنِ بِهَا (كَالْفَهِدَيْنِ) أَيْ: مُشَبَّهَانِ بِالْفَهِدِ، وَهُوَ سَبُعٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي كَثْرَةِ النَّوْمِ وَالْوُثُوبِ، وَمِنْ خُلُقِهِ أَنَّهُ يَأْنَسُ لِمَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهِ، وَكِبَارُ الْفُهُودِ أَقْبَلُ لِلتَّأْدِيبِ مِنْ صِغَارِهَا وَأَوَّلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخَيْلِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَكْثَرُ مَنِ اشْتَهَرَ بِاللَّعِبِ بِهَا أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ، هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَالْفَهِدَيْنِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ (يَلْعَبَانِ) وَهُوَ صِفَةٌ لِوَلَدَانِ (مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: وَسَطِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ تَحْتِ صَدْرِهَا (بِرُمَّانَتَيْنِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَعْنِي إِنَّهَا ذَاتَ كِفْلٍ عَظِيمٍ، فَإِذَا اسْتَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا ارْتَفَعَ الْكِفْلُ بِهَا مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى يَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةٌ يَجْرِي فِيهَا الرُّمَّانُ، وَقِيلَ ذَاتُ ثَدْيَيْنِ حَسَنَيْنِ صَغِيرَيْنِ كَالرُّمَّانَتَيْنِ، وَقِيلَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ لَأَنَّ قَوْلَهَا مِنْ تَحْتِ