أَيْ قَلْبُهُ أَجْوَدُ الْقُلُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَبْخَلُ شَيْئًا مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ عَوَارِفِ الْمَوْلَى، وَالْمُرَادُ أَنَّ جُودَهُ كَانَ عَنْ طِيبِ قَلْبٍ وَشَرْحِ صَدْرٍ وَسَجِيَّةِ طَبْعٍ لَا عَنْ تَكَلُّفٍ وَتَصَلُّبٍ، وَقِيلَ أَنَّهُ مِنَ الْجَوْدَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى السِّعَةِ أَيْ أَوْسَعُهُمْ قَلْبًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمَلُّ وَلَا يَضْجَرُ قَلْبُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَالْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، قَالَا: ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ «أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا وَأَرْحَبُ النَّاسِ صَدْرًا» وَالرُّحْبَ بِمَعْنَى السِّعَةِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ رَاوِيَةِ التِّرْمِذِيِّ شَيْءٌ، وَقِيلَ: أَجْوَدُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَوْدَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَصْدَرُ جَادَ إِذْ صَارَ جَيِّدًا أَيْ أَحْسَنُهُمْ قَلْبًا بِسَلَامَتِهِ مِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ مِنْ بُخْلٍ وَغِشٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَدْنَاسِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الدَّنِيَّةِ كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ جِبْرِيلَ شَقَّهُ وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، وَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتِ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ. (وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً) : بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ لِسَانًا عَلَى مَا فِي الْمُهَذَّبِ أَوْ تَحْرِيكُهُ عَلَى مَا فِي الْفَائِقِ وَالْمَعْنَى أَصْدَقُهُمْ قَوْلًا، وَأَغْرَبَ شَارِحٌ وَقَالَ: يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِسَانُهُ أَصْدَقَ الْأَلْسِنَةِ فَيَتَكَلَّمُ بِمَخَارِجِ الْحُرُوفِ كَمَا يَنْبَغِي بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. (وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً) : أَيْ طَبِيعَةً وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْ سَلِسًا مُطَاوِعًا مُنْقَادًا قَلِيلَ الْخِلَافِ وَالنُّفُورِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُنْبِئَةٌ عَنْ كَمَالِ مُسَامَحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُفُورِ حِلْمِهِ وَتَوَاضُعِهِ مَعَ أُمَّتِهِ. (وَأَكْرَمُهُمْ عَشِيرَةً) : بِوَزْنِ الْقَبِيلَةِ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَصَابِيحِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُوَافِقِ لِلتِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ عِشْرَةً بِكَسْرِ أَوَّلِهَا وَسُكُونِ ثَانِيهَا صُحْبَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَادِقٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ قَبِيلَتَهُ أَشْرَفُ الْقَبَائِلِ كَمَا وَرَدَ: «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً» ، وَقَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفَسِكُمْ) بِفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَمُعَاشَرَتُهُ وَمُخَالَطَتُهُ أَكْرَمُ مِنْ جَمِيعِ

مُخَالَطَةِ النَّاسِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً) : أَيْ رُؤْيَةَ بَدِيهَةٍ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ أَوَّلَ رُؤْيَةٍ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ. (هَابَهُ) : أَيْ خَافَهُ لِأَنَّ مَعَهُ الْهَيْبَةَ وَالْمَهَابَةَ السَّمَاوِيَّةَ. (وَمَنْ خَالَطَهُ) : أَيْ عَاشَرَهُ وَصَاحَبَهُ. (مَعْرِفَةً) : أَيْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً تَبَيَّنَ بِهَا حُسْنَ خُلُقِهِ. (أَحَبَّهُ) : لِكَمَالِ مُعَاشَرَتِهِ وَبَاهِرِ عَظِيمِ مُؤَالَفَتِهِ حُبًّا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ عِنْدَهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. (يَقُولُ نَاعِتُهُ) : أَيْ وَاصِفُهُ إِجْمَالًا عَجْزًا عَنْ بَيَانِ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ تَفْصِيلًا. (

طور بواسطة نورين ميديا © 2015