كَادَ) أَيْ: قَارَبَ (لَيُسْلِمُ) وَفِي رِوَايَةٍ لَقَدْ كَادَ أَنْ يُسْلِمَ شِعْرُهُ، وَمَرَّ سَبَبُ ذَلِكَ.
قِيلَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ: لَكَ الْحَمْدُ وَالنَّعْمَاءُ وَالْفَضْلُ رَبَّنَا فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْكَ حَمْدًا وَلَا مَجْدَا
قَالَ الْحَنَفِيُّ: أَيْ أَنَّهُ كَادَ وَكَلِمَةُ أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَنْ مُخَفَّفَةٌ اسْمُهَا إِنْ أُعْمِلَتْ ضَمِيرُ الشَّأْنِ.
فَزَعَمَ أَنَّ مَنْ قَالَ: التَّقْدِيرُ أَنَّهُ كَادَ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ النَّحْوِ، لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إِذَ مُرَادُهُ إِذَا أُعْمِلَتْ كَمَا ذَكَرَ، وَمُجَرَّدُ حَذْفِ هَذَا الْقَيْدِ لَا يُجِيزُ أَنْ يُقَالَ فِي حَقِّ مَنْ حَذَفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ النَّحْوِ.
(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ فَالزَّايِ (وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَالْمَعْنَى) أَيِ: الْمُؤَدَّى (وَاحِدٌ قَالَا) أَيْ: كِلَاهُمَا (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ فَنُونٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَحْتِيَّةٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ عَلَى مَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضَعُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ) ضُبِطَ حَسَّانُ مُنْصَرِفًا وَغَيْرَ مُنْصَرِفٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فَعَّالٌ أَوْ فَعْلَانُ، وَالثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ، وَهُوَ ثَابِتُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً نِصْفُهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَكَذَا عَاشَ أَبُوهُ وَجَدُّ أَبِيهِ الْمَذْكُورُونَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ: يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ، وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى أَنَّ أَشْعَرَ أَهْلِ الْمَدَرِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَوَى عَنْهُ عُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ، وَمَاتَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَقِيلَ سَنَةُ خَمْسِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مِنْبَرًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةُ النَّبْرِ، وَهُوَ الرَّفْعُ (فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ: مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ (يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا) أَيْ: قِيَامًا وَقَالَ مِيرَكُ: نَقْلًا عَنِ الْمُفَصَّلِ قَدْ يَرِدُ الْمَصْدَرُ عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ قُمْتُ قَائِمًا انْتَهَى. وَفِي نُسْخَةٍ يَقُولُ عَلَيْهِ قَائِمًا أَيْ: يَقُولُ حَسَّانُ الشِّعْرَ، وَيُنْشِدُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَالَ كَوْنِهِ قَائِمًا (يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ) عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ الْأَصِيلِ أَيْ: عُرْوَةُ رِوَايَةً عَنْ عَائِشَةَ، وَفِي نُسْخَةٍ وَهِيَ الظَّاهِرُ أَوْ قَالَتْ أَيْ: عَائِشَةُ (يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: يُخَاصِمُ عَنْ قِبَلِهِ، وَيُدَافِعُ عَنْ جِهَتِهِ فَقِيلَ الْمُنَافَحَةُ الْمُخَاصَمَةُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُهَاجِي الْمُشْرِكِينَ، وَيَذُمُّهُمْ عَنْهُ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يُنَافِحُ أَيْ: يُدَافِعُ وَالْمُنَافَحَةُ وَالْمُكَافَحَةُ: الْمُدَافَعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ، نَفَحْتُ الرَّجُلَ بِالسَّيْفِ تَنَاوَلْتُهُ بِهِ يُرِيدُ بِمُنَافَحَتِهِ مُدَافَعَةَ هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمُجَاوَبَتِهِمْ عَنْ أَشْعَارِهِمْ (وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَعَدُّدِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ لَهُ (أَنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ) وَفِي نُسْخَةٍ حَسَّانًا (بِرُوحِ الْقُدُسِ) بِضَمِّ الدَّالِ، وَسُكُونِهِ أَيْ: بِجِبْرِيلَ وَسُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّهُ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ
بِمَا فِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَالْمَعْرِفَةُ السَّرْمَدِيَّةُ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْقُدُسِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ ; لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ مُصَرِّحًا، وَهُوَ أَنَّ جِبْرِيلَ مَعَ حَسَّانَ (مَا يُنَافِحُ أَوْ يُفَاخِرُ) لِلشَّكِ، وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ وَفِي رِوَايَةٍ: مَا نَافَحَ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَمَا لِلدَّوَامِ وَالْمُدَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَشْعَارَ الَّتِي فِيهَا دَفْعُ مَا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ فِي شَأْنِ اللَّهِ، وَرَسُولِهِ لَيْسَ مِمَّا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَكُونُ مِمَّا يُلْهِمُهُ الْمَلَكُ، وَلَيْسَ مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي قَالَهُ الشُّعَرَاءُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ إِلَيْهِمْ بِمَعَانٍ فَاسِدَةٍ، فَالْجُمْلَةُ إِخْبَارِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الطِّيبِيِّ أَنَّهَا جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ، وَيُسَاعِدُهُ مَا الدَّوَامِيَّةُ حَيْثُ قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَ أَخْذِهِ فِي الْهَجْوِ وَالطَّعْنِ فِي الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْسَابِهِمْ مَظِنَّةَ الْفُحْشِ مِنَ الْكَلَامِ، وَبَذَاءَةِ اللِّسَانِ، وَيُؤَدِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَا لَهُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى