فَإِنَّ الْمَنْطُوقَ أَقْوَى مِنَ الْمَفْهُومِ هَذَا.
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُهْدِي إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُكَّةَ مِنَ السَّمْنِ أَوِ الْعَسَلِ فَإِذَا طُولِبَ بِالثَّمَنِ جَاءَ بِصَاحِبِهِ فَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهِ مَتَاعَهُ أَيْ: ثَمَنَهُ، فَمَا يَزِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يَبْتَسِمَ، وَيَأْمُرَ بِهِ ; فَيُعْطَى. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ طُرْفَةٌ إِلَّا اشْتَرَاهَا ثُمَّ جَاءَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ هَدِيَّةٌ لَكَ ; فَإِذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهَا بِثَمَنِهَا جَاءَ بِهِ ; فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الثَّمَنَ، فَيَقُولُ أَلَمْ تُهْدِهِ لِي، فَيَقُولُ لَيْسَ عِنْدِي، فَضَحِكَ، وَيَأْمُرُ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنِهِ، قُلْتُ، فَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا رَأَى طُرْفَةً أَعْجَبَتْهَا نَفْسَهُ اشْتَرَاهَا، وَآثَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا وَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ عَلَى نِيَّةِ أَدَاءِ ثَمَنِهَا إِذَا حَصَلَ لَدَيْهِ فَلَمَّا عَجِزَ، وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ رَجَعَ إِلَى مَوْلَاهُ، وَأَبْدَى إِلَيْهِ صَنِيعَ مَا وَلَّاهُ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ; فَرَجَعَ بِالْمُطَالَبَةِ إِلَى سَيِّدِهِ فَفِعْلُهُ هَذَا جِدُّ حَقٍّ مَمْزُوجٌ بِمُزَاحِ صِدْقٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى، وَمُصْعَبٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مَنِ الْإِصْعَابِ، وَهُوَ الْأَصْلُ الصَّوَابُ، وَفِي نُسْخَةٍ ضَعِيفَةٍ بَدَلَهُ: «مَنْصُورٌ» قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ خَطَأٌ.
(حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (عَنِ الْحَسَنِ) أَيِ: الْبَصْرِيِّ ; فَإِنَّهُ الْمُرَادُ عَنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ (قَالَ أَتَتْ عَجُوزٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ وَلَا تَقُلْ عَجُوزَةً إِذْ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ قِيلَ إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُمُّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَعَمَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِشَارِحٍ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: كَذَا سَمِعْنَا مِنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ لِمَا سَيَأْتِي (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ) أَيْ: لِي كَمَا فِي نُسْخَةٍ (أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ) كَانَ الرَّاوِي نَسِيَ الِاسْمَ الَّذِي جَرَى عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَ لَفْظَ فُلَانٍ مَقَامَهُ (إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ