حَبُّ الْغَمَامِ اللؤلؤ لأنه يحصل من ماء المطر النازل من الغمام، وَهُوَ أَنْسَبُ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنَ الْبُرُودَةِ، وَلِمَا فِي الثَّانِي مِنْ زِيَادَةِ تَشْبِيهِ الْفَمِ بِالصَّدَفِ، وَالرِّيقِ بِمَاءِ الرَّحْمَةِ فِي بَحْرِ النِّعْمَةِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ ضَحِكٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بَابُ ضَحِكٍ قَالَ الْعِصَامُ: وَفِي نُسْخَةٍ بَابٌ مُنَوَّنًا، وَضَحِكَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي، انْتَهَى.
وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى ثُمَّ الضَّحِكُ مَضْبُوطٌ فِي الْأُصُولِ بِكَسْرٍ، فَسُكُونٍ، وَفِي الْقَامُوسِ ضَحِكَ ضَحِكًا بِالْفَتْحِ، وَبِالْكَسْرِ، وَبِكَسْرَتَيْنِ، وَكَكَتِفٍ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ (أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ (وَهُوَ ابْنُ أَرْطَأَةَ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ، وَالْعَلَمِيَّةِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْأَرْطَى: شَجَرٌ نُورُهُ كَنُورِ الْخِلَافِ، وَثَمَرُهُ كَالْعُنَّابِ لَكِنَّهُ مُرٌّ تَأْكُلُهُ الْإِبِلُ، الْوَاحِدَةُ: أَرْطَاةٌ وَأَلِفَهُ لِلْإِلْحَاقِ ; فَيُنَوَّنُ نَكِرَةً لَا مَعْرِفَةً أَوْ أَلِفُهُ أَصْلِيَّةٌ ; فَيُنَوَّنُ دَائِمًا، وَوَزْنُهُ أَفْعَلُ، وَمَوْضِعُهُ الْمُعْتَلُّ، وَبِهِ سُمِّيَ، وَكُنِّيَ (عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ) بِكَسْرِ السِّينِ (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ فِي سَاقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ لِلتَّعْمِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ بِرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (حُمُوشَةٌ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمِيمِ أَيْ: دِقَّةُ، وَدِقَّتُهَا مِمَّا يُمْتَدَحُ بِهِ، وَقَدْ أَكْثَرَ أَهْلُ الْقِيَافَةِ مِنْ ذِكْرِ مَحَاسِنِ ذَلِكَ، وَفَوَائِدِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ ; فَمُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، وَمُعَارِضٌ لِلُّغَةِ عَلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَامُوسُ، وَالنِّهَايَةُ، وَمُغَيِّرٌ لِلْمَعْنَى فَإِنَّ الْخَمْشَ بِالْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ خَدْشُ الْوَجْهِ، وَلَطْمُهُ، وَقَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ (وَكَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا) جَعَلَ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ
فَإِنَّ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ بِمَنْزِلَةِ السِّنَةِ مِنَ النَّوْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا) أَيْ: شَارِعًا فِي الضَّحِكِ، وَهَذَا الْحَصْرُ يُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِهِ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ جُلَّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَقِيلَ مَا كَانَ يَضْحَكُ إِلَّا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ; فَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّبَسُّمِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَتَعْلِيلٌ مُسْتَحْسَنٌ، وَوَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
كَانَ إِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ فِي الْجُدُرِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: يُشْرِقُ نُورُهُ عَلَيْهِ إِشْرَاقًا كَإِشْرَاقِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا (فَكُنْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْمِشْكَاةِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ، وَكُنْتُ بِالْوَاوِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ (إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ) أَيْ بَادِيَ الرَّأْيِ (قُلْتُ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ (هُوَ) (وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِأَكْحَلَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يُقَالُ رَجُلٌ أَكْحَلُ بَيِّنُ الْكَحَلِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلُو جُفُونَ عَيْنَيْهِ سَوَادٌ مِثْلُ الْكُحْلِ مِنْ غَيْرِ اكْتِحَالٍ ; فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ عَلَى الْمُكْتَحِلِ تَأَمَّلْ ذَكَرَهُ مِيرَكُ وَفِي الْقَامُوسِ الْكَحَلُ مُحَرَّكَةٌ أَنْ يَعْلُوَ مَنَابِتَ الْأَشْفَارِ سَوَادُ خِلْقَةٍ أَوْ أَنْ يَسْوَدَّ مَوَاضِعُ الْكُحْلِ، كَحِلَ كَفَرِحَ، فَهُوَ أَكْحَلُ، انْتَهَى.
فَلَا يَخْفَى أَنَّ أَكْحَلَ لَهُ مَعْنَيَانِ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي ; فَتَأَمَّلْ.