عَنْهَا لِتَأَخُّرِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ مُخَالَفَتَهُ بِعَلَى فِي حَقِّهِ، وَبِعْنَ فِي خَالِدٍ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَالِدٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِصِغَرِهِ وَقَرَابَتِهِ، فَقُدِّمَ جَبْرًا لِخَاطِرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّخَالُفَ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ، فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْحُضُورِ مَعَهُ انْتَهَى. وَلِلطِّيبِيِّ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ بَيَّنَاهُ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ، (فَقَالَ لِيَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُسَكَّنُ (الشَّرْبَةُ لَكَ) أَيْ لِأَنَّكَ صَاحِبُ الْيَمِينِ، وَقَدْ وَرَدَ: الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ.
رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السِّتَّةِ عَنْ أَنَسٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ نَدْبًا وَلَوْ صَغِيرًا مَفْضُولًا ; وَلِذَا قَالَ: (فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا) أَيْ مُرَاعَاةً لِلْأَكْبَرِ أَوِ الْأَفْضَلِ.
وَفِي نِسْبَةِ الْمَشِيئَةِ إِلَيْهِ تَطْيِيبٌ لِخَاطِرِهِ، وَتَنْبِيهُ نَبِيِّهِ عَلَى أَنَّ الْإِيثَارَ أَوْلَى لَهُ.
وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ يُشْكَلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا يُكْرَهُ الْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ، حَيْثُ آثَرَ مَنْ لَيْسَ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ، وَإِلَّا كَمَا هُنَا، وَكَتَقْدِيمِ غَيْرِ الْأَفْقَهِ مَثَلًا عَلَى الْأَفْقَهِ فِي الْإِمَامَةِ، فَلَا كَرَاهَةَ انْتَهَى.
وَوَجْهُ الْغَرَابَةِ أَنَّهُ إِذَا قَدَّمَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْإِمَامَةِ وَغَيْرِهَا، لَا يُسَمَّى إِيثَارًا، وَإِنَّمَا الْإِيثَارُ إِذَا كَانَ مُتَسَاوِيًا مَعَ غَيْرِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فِي الِاتِّفَاقِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا الْمَبْحَثَ مَعَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْأَعْرَابِيِّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ (فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَنَصْبِ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ أَيْ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا يَسْتَقِيمُ مِنِّي أَنْ أَخْتَارَ (عَلَى سُؤْرِكَ) بِضَمٍّ فَسُكُونِ هَمْزٍ، وَيُبْدَلُ أَيْ مَا بَقِيَ مِنْكَ (أَحَدًا) أَيْ غَيْرِي يَفُوزُ بِهِ، وَرُوِيَ مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِفَضْلٍ مِنْكَ أَحَدًا، وَفِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ