بِالْقَلِيلِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَاقِي الْقَوْمَ آخِرُهُمْ شُرْبًا» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ فِي الصَّحْفَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ فَلَحِسَهَا اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ، وَقِيلَ: الثُّفْلُ هُوَ الثَّرِيدُ، وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَنَقَلَ مِيرَكُ عَنِ السَّيِّدِ أَصِيلِ الدِّينِ أَنَّ الثُّفْلَ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَضَمِّهَا وَهُوَ أَفْصَحُ وَسُكُونِ الْفَاءِ، وَفَسَّرَهُ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ الْإِمَامُ الدَّارِمِيُّ بِمَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: الْمُظْهَرُ أَيْ: فِي الْقِدْرِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْمَسْمُوعُ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: أَيْ مَا بَقِيَ فِي الْقَصْعَةِ، وَيُقَالُ: فِي وَجْهِ إِعْجَابِهِ مَا بَقِيَ فِي الْقِدْرِ أَنَّهُ أَقَلُّ دَهَانَةً، فَيَكُونُ أَسْرَعُ انْهِضَامًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَجْمَعُ طُعُومًا فِي الْقِدْرِ فَيَكُونُ أَلَذَّ وَلَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ دَأْبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيثَارُ، وَمُلَاحَظَةُ الْغَيْرِ مِنَ الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ، وَأَرْبَابِ الْحَوَائِجِ، وَتَقْدِيمُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لَا جَرَمَ كَانَ يَصْرِفُ الطَّعَامَ الْوَاقِعَ فِي أَعَالِي الْقِدْرِ وَالظُّرُوفِ إِلَيْهِمْ، وَيَخْتَارُ لِخَاصَّتِهِ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي الْأَسَافِلِ رِعَايَةً لِسُلُوكِ سَبِيلِ التَّوَاضُعِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَغْبِيَاءِ الْأَغْنِيَاءِ يَتَكَبَّرُونَ وَيَأْنَفُونَ مِنْ أَكْلِ الثُّفْلِ، وَيَصُبُّونَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ بِجَمِيلِ حِكْمَتِهِ فِي
جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُنُوفَ اللَّطَائِفِ، وَأُلُوفَ الْمَعَارِفِ وَالظَّرَائِفِ فَطُوبَى لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، هَذَا وَقَالَ الشُّرَّاحُ: لَقَدْ أَعْجَبَ الْمُصَنِّفَ فَخَتَمَ الْبَابَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ ثُفْلُ الْأَحَادِيثِ، وَمَا بَقِيَ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ مَا فِيهِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالثُّفْلِ مَا قَدْ يَحْسُنُ فِيهِ رَدٌّ، وَفِي الْقَامُوسِ الثُّفْلُ مَا اسْتَقَرَّ تَحْتَ الشَّيْءِ مِنْ كُدْرَةٍ، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ عَلَى تَفْسِيرِ الرَّاوِي لَهُ بِمَا ذُكِرَ حَذَرًا مِنْ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْهُ إِسْنَادُ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرِ الْمُرَادِ، أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ فِي إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُشْتَمِلِ آخِرُهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ صَنْعَةَ حُسْنِ الْمَقْطَعِ، خَتْمًا لِلْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ مَا جَاءَ وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عِنْدَ الطَّعَامِ أَيْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، لِمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ، بِأَنْ يُرَادَ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَنَقَلَ مِيرَكُ عَنِ السَّيِّدِ أَصِيلِ الدِّينِ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَإِيرَادِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا، أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ فِي هَذَا الْبَابِ كَيْفِيَّةَ الْوُضُوءِ الْمُسْتَحَبِّ عِنْدَ الطَّعَامِ، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ يَدُلَّانِ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ هُنَا ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ، ثُمَّ أَرْدَفَهُمَا بِحَدِيثِ سَلْمَانَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ الْعُرْفِيِّ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، تَحْصِيلًا لِلْبَرَكَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَضْمُونَيِ الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخُصَّانِ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ بِالصَّلَاةِ، يُقَوِّي أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورِ آخِرَ الْبَابِ هُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَهَذَا مُخْتَارُ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْوَجْهُ أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَمَجَازِهِ فَأَرَادَ الْأَوَّلَ مِنْ حَيْثُ نَفْيِهِ، وَالثَّانِيَ مِنْ حَيْثُ إِثْبَاتِهِ، انْتَهَى.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ النَّظَافَةُ الشَّامِلَةُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى أَمْرَيْنِ، كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَضَمَّنَ التَّرْجَمَةَ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى التَّرْجَمَةِ سَائِغَةً شَائِعَةً، وَإِنَّمَا الْمَعِيبُ النَّقْصُ عَمَّا فِيهَا، ثُمَّ الطَّعَامُ هَاهُنَا مَا يُؤْكَلُ، كَمَا أَنَّ الشَّرَابَ مَا يُشْرَبُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْبُرِّ كَمَا وَرَدَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ) أَيِ السِّخْتِيَانِيِّ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي، وَالْمُرَادُ هُنَا مَكَانُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيِ الْمُتَوَضَّأِ، غَيْرُ ظَاهِرٍ لَمْ نَجِدْهُ،